“سحب الرواتب بالتقسيط”.. أزمة جديدة تعمّق معاناة السوريين وسط غياب الشفافية
وسط الانهيار الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، لم يعد استلام الراتب الشهري أمرًا بديهيًا للموظفين، بل تحول إلى تجربة مرهقة، مشحونة بالانتظار، والشكوى، والقيود غير المعلنة. وفي ظل تطبيق أنظمة الدفع الإلكتروني، وتفاوت سياسات البنوك، بات الموظف أو المتقاعد يواجه ما يُشبه “التقسيط القسري” لراتبه، بدلًا من استلامه دفعة واحدة.
طوابير أمام الصرّافات.. وقيود بلا تفسير
في العاصمة دمشق، التي تضمّ نسبة كبيرة من موظفي القطاعين العام والخاص، تكررت مشاهد الطوابير أمام الصرّافات، خاصة في مناطق مثل المزة وساحة المحافظة. وفي أغلب الأحيان، لا يُسمح بسحب أكثر من 200 ألف ليرة سورية يوميًا، حتى لو كان الراتب محوّلًا إلى الحساب.
أبو عماد، موظف متقاعد منذ خمس سنوات، عبّر عن إحباطه: “من خمسة أيام نزل الراتب وما قدرت آخد غير 200 ألف. كل يوم بنرجع للصرّاف وبنلاقيه فاضي، أو بنسحب شقفة صغيرة… وأنا عندي إيجار ودواء، مين بيدفع؟”
القطاع الخاص: بالدولار.. ولكن بشروط
الموظفون في القطاع الخاص يواجهون بدورهم صعوبات من نوع مختلف. بتول شمدين، مهندسة تعمل في شركة خاصة، أوضحت أن الشركات باتت تسلّم الرواتب بالدولار، لكن بشكل متقطع وبشروط: “مرات بننطر 40 يوم حتى نقبض، وإذا ما في دولار كفاية، بيعطونا قسم منه، والباقي بالليرة وبسعر صرف من عندهم، مش من السوق”.
غالبًا ما تكون عقود العمل بالليرة السورية، لكن الرواتب تُدفع فعليًا بالدولار، وغالبًا لا تعادل القيمة الحقيقية في السوق السوداء، ما يزيد من الضغوط المعيشية على العاملين.
“شام كاش”.. هل خفف المعاناة؟
أُطلقت آلية “شام كاش” لتسهيل سحب الرواتب عبر تطبيقات الهاتف، أو مراكز معتمدة، ويستفيد منها بعض الموظفين الحكوميين الذين بات بإمكانهم أحيانًا سحب كامل المبلغ دفعة واحدة.
لكن التحديات باقية: السيولة غير متوفرة دائمًا، التطبيق غير متاح لدى كبار السن، والعمولات المرتفعة على عمليات السحب الإلكتروني تزيد من التكاليف على المواطنين.
موظفون في البنوك: أوامر غير معلنة
أحد موظفي المصارف، طلب عدم الكشف عن اسمه، أكّد وجود تعليمات غير رسمية صادرة لبعض الفروع تقضي بعدم السماح بالسحب الكامل للرواتب، بحجة “نقص السيولة”، رغم عدم وجود قرار علني بذلك. ورغم إعلان بعض البنوك عن “رفع القيود” على سحب الرواتب، لم يصدر أي تعميم رسمي واضح يُلزم المصارف بالتنفيذ، ما يترك المتقاعدين والموظفين فريسة مزاجية الإدارات المصرفية، والسياسات المتغيرة.
تواصل موقع “الحل نت” مع وزارة المالية السورية عبر المكتب الإعلامي والمكالمات الرسمية، لكن لم يتم تلقي أي رد حتى لحظة نشر التقرير، ما يعكس غيابًا مقلقًا في التواصل الحكومي مع أزمة تمس حياة الملايين.
اقرأ ايضاً: بنوك حلب تقيد سحب الرواتب: 100 ألف ليرة فقط أسبوعياً