الأزمة الزراعية في سوريا تشتد: جفاف تاريخي وتجاهل حكومي يهددان الأمن الغذائي
تشهد الزراعة السورية واحدة من أخطر مراحلها منذ عقود، إذ لم يعد الجفاف المتواصل هو التحدي الوحيد، بل أصبح عاملًا كاشفًا لعمق الانهيار الإداري والاقتصادي الذي يعصف بقطاع كان يُعدّ العمود الفقري للأمن الغذائي في البلاد. وبينما يتفاقم العجز الإنتاجي استعدادًا لموسم 2026، يطرح السوريون سؤالًا مصيريًا: من ينقذهم من خطر الجوع؟
سوريا تواجه أسوأ جفاف منذ 36 عامًا:
يشير تقرير منظمة الأغذية والزراعة “فاو” إلى أن سوريا تعيش أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من ثلاثة عقود، مع انخفاض الهطولات المطرية بنسبة 60% في مناطق الإنتاج الرئيسية كالحسكة والرقة ودير الزور. هذا التراجع أدى إلى خسارة 43% من المساحات المزروعة بالقمح، ما جعل موسم 2025 واحدًا من أسوأ المواسم الزراعية في تاريخ سوريا الحديث.
انهيار البنية التحتية الزراعية يزيد الكارثة:
لم يكن الجفاف وحده المسؤول عن تدهور الإنتاج؛ إذ دمرت الحرب شبكات الري وأضعفت السدود وتسببت في استنزاف خطير للمياه الجوفية، بينما تركت الحكومة الانتقالية الملف الزراعي دون خطط طوارئ واضحة أو دعم فعلي للمزارعين المتضررين.
غياب حكومي وصمت رسمي مثير للجدل:
ورغم خطورة الوضع، لم تصدر وزارة الزراعة أي تقارير شفافة حول حجم الخسائر أو خطط المعالجة. أما وعود وزير الزراعة أمجد بدر بإعادة بناء قاعدة البيانات الوطنية وتنفيذ استراتيجية 2030، فما تزال في إطار التصريحات دون إجراءات ملموسة أو تمويل حقيقي.
دعم غائب ومزارعون عاجزون عن الاستمرار:
يشكو المزارعون من غياب المحروقات والأسمدة والبذور، بينما لا يزال صندوق دعم الإنتاج الزراعي دون موارد كافية. ووفقًا لتقرير “ريليف ويب”، انخفضت نسبة من ينوون زراعة الموسم القادم إلى أقل من 50% نتيجة ارتفاع التكاليف وانعدام الجدوى الاقتصادية.
فجوة غذائية غير مسبوقة:
في ظل تراجع الإنتاج المحلي، اشترت الحكومة 373 ألف طن فقط من القمح في 2025، بينما تحتاج البلاد إلى أكثر من 4 ملايين طن سنويًا لتلبية الاستهلاك. وبحسب برنامج الغذاء العالمي، أكثر من نصف السوريين يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما يواجه نحو 3 ملايين خطر الجوع الحاد.
اقتصاد زراعي منهار وريف ينزف:
تضاعفت تكلفة استيراد الحبوب بنسبة 35% مع انهيار الليرة السورية، ما زاد الضغط على الاحتياطي النقدي. وفي الوقت ذاته، يشهد الريف السوري موجة نزوح جديدة نحو المدن، بعد أن أصبحت الزراعة مشروعًا خاسرًا لا يوفر الحد الأدنى من المعيشة.
خبراء الاقتصاد يحذرون: موسم 2026 مهدد بالانهيار:
حذّر الخبير الاقتصادي جهاد يازجي من أن غياب الأمطار حتى نوفمبر يعيد البلاد إلى سيناريو 2025، حين انهار الناتج الزراعي بشكل غير مسبوق. وأكد أن استمرار الجفاف سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار وتوسع الفقر وهجرة الريف، ما يخلق حلقة مفرغة تهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
مرحلة اقتصادية جديدة بعد 2024… لكن التحديات أكبر:
يشير الخبير ماجد المصطفى في تصريح لموقع “الحل نت” إلى أن سوريا بعد 8 ديسمبر 2024 دخلت مرحلة جديدة بإعادة بناء المؤسسات وتوجيه الاستثمار نحو الزراعة، لكن العقوبات الدولية وضعف التمويل ما يزالان عائقين أمام دفع عجلة الإنتاج. ومع ذلك، يتوقع المصطفى بوادر تعافٍ خلال 2025–2026 إذا استمرت الإصلاحات الحالية.
تحذيرات من سيناريو كارثي إن استمر الجفاف:
أكد الخبير الاقتصادي الدكتور مجدي الجاموس في تصريح لموقع “الحل نت” أن الأزمة الزراعية تهدد الأمن القومي السوري بشكل مباشر، لافتًا إلى أن منع الاستيراد وارتفاع التكاليف وانعدام الدعم الحكومي كلها عوامل تدفع نحو سيناريو كارثي، قد يشهد مزيدًا من الفجوات الغذائية وارتفاعًا حادًا في الأسعار.
أزمة تتجاوز الغذاء إلى عمق المجتمع:
من جانبه، يرى الباحث يحيى السيد عمر أن تراجع الزراعة يضرب المجتمع الريفي من أساسه، ويدفع آلاف العمال إلى الهجرة نحو المدن، ما يهدد التوازن الاجتماعي ويزيد البطالة والفقر. ويؤكد أن إنعاش القطاع الزراعي يتطلب رؤية وطنية متكاملة تشمل تحديث الري، دعم المزارعين، وتشجيع الاستثمار الخاص.
الجوع يقترب… والحل بيد الحكومة:
تكشف الأزمة الزراعية في سوريا جفافًا مضاعفًا: جفاف الماء وجفاف الإدارة. وبينما تقترب البلاد من موسم جديد بلا حلول، يقف السوريون على حافة خطر حقيقي، قد يتحول فيه الجوع من تهديد محتمل إلى واقع يومي يطال كل بيت إذا لم تتحرك الحكومة بخطة طوارئ وطنية شاملة.
إقرأ أيضاً: وزير الزراعة السوري: استيراد زيت الزيتون خيار مطروح في حال ارتفاع الأسعار محلياً
إقرأ أيضاً: انتهاكات إسرائيلية تؤثر على السياحة والزراعة في القنيطرة