القمار الإلكتروني في سوريا.. إدمان جديد يهدد الشباب وسط غياب الرقابة وضعف القوانين
في زاوية مظلمة من أحد أحياء ريف دمشق، يقضي شاب سوري معظم وقته محدقًا في شاشة هاتفه المحمول، متابعًا نتائج مباريات كرة القدم عبر مواقع المراهنات الرياضية، على أمل تحقيق “ضربة حظ” تنقذه من دوامة الخسائر المتراكمة. لكن النهاية، كالعادة، لا تأتي لصالحه، ليغرق في ديون تتجاوز 2000 دولار، في بلدٍ لا يتعدى متوسط الدخل الشهري فيه 20 دولاراً.
القمار الإلكتروني ينتشر في سوريا.. بديل قاتل عن البطالة والفقر:
تزايدت في السنوات الأخيرة ظاهرة المراهنات الإلكترونية في سوريا، حيث يجد آلاف الشباب أنفسهم عالقين بين الفقر والبطالة وانهيار العملة المحلية، فيتجهون إلى القمار عبر الإنترنت كمحاولة يائسة للخروج من الواقع القاسي.
لكن ما يبدو في البداية كفرصة لتحقيق مكسب سريع، يتحول في كثير من الأحيان إلى إدمان مدمّر، يفضي إلى خسائر مالية هائلة، ومشكلات أسرية واجتماعية قد تصل إلى التهديد بالقتل أو الانتحار.
حالات متكررة.. من الخسارة إلى التهديد والمأساة:
في محافظة طرطوس، يقول شاب خسر أكثر من 5000 دولار إنه تلقى تهديدات من وسطاء القمار باستخدام عناصر مسلحة لاسترداد الأموال. وفي حلب، باع رجل متجره ومنزله بعد خسائر متتالية في المراهنات، ليصبح مشرداً ومدمناً على الكحول، بينما ترك طالب جامعته بعدما استهلكه إدمان القمار الإلكتروني، وبات يقضي لياليه في انتظار “فوز كبير” يعوّضه.
قانون عاجز أمام طوفان المواقع الإلكترونية:
يقول المحامي فادي الرحّال من دمشق، إن القانون السوري يجرّم القمار، بما في ذلك الممارسات الإلكترونية، ويعاقب المقامرين بغرامات تصل إلى مليون ليرة سورية، والسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين لمن يدير أو يروّج لهذه الأنشطة.
لكن يوضح الرحّال أن “العقوبات غير رادعة”، خاصة عندما يراهن بعض الأشخاص بمبالغ تعادل أضعاف الراتب السنوي في سوريا. وأضاف أن غياب آليات تنفيذ فعالة يتيح للمراهنين والمروّجين التحايل على القانون، خصوصاً أن القضايا تُحال غالباً إلى محاكم بداية الجزاء أو الجنايات المالية، ما يمنح المتورطين وقتاً للمناورة والتهرب من العقوبة.
الجانب النفسي: إدمان خطير وتهديد مباشر للصحة العقلية:
يحذّر جمال فرويز، المختص في علم النفس الاجتماعي، من أن إدمان المراهنات الإلكترونية يمثل أحد أخطر أشكال الهروب النفسي، مشيرًا إلى أن القمار عبر الإنترنت يؤدي إلى اضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب والإدمان السلوكي، ويمكن أن يصل الأمر إلى الانتحار في بعض الحالات.
القمار الإلكتروني في سوريا.. أزمة قانونية واجتماعية متفاقمة:
ينتشر القمار الإلكتروني في سوريا كـ”متاهة رقمية”، تبدأ بوعود خادعة لـ”الربح السريع”، وتنتهي بخسائر مادية ونفسية واجتماعية جسيمة. في بلدٍ يحتاج فيه المواطن السوري إلى مئات الدولارات شهرياً لتغطية نفقاته الأساسية، بينما لا يتجاوز متوسط راتب الموظف الحكومي 20 إلى 30 دولاراً، تصبح المراهنات الرقمية وسيلة إغراء قاتلة.
الحلول تبدأ بالوعي وليس فقط بالعقوبات:
يرى الخبراء أن مواجهة هذه الظاهرة لا يمكن أن تعتمد على العقوبات القانونية وحدها، بل يجب أن تشمل:
1- نشر التوعية المجتمعية في المدارس والجامعات حول مخاطر القمار.
2- تحسين الواقع الاقتصادي وتوفير فرص عمل بديلة للشباب.
3- تقديم دعم نفسي حقيقي للمدمنين أو المتضررين من المراهنات.
4- حجب المنصات الإلكترونية غير المرخصة التي تروّج للقمار.
خلاصة:
يهدد انتشار القمار الإلكتروني في سوريا جيلًا كاملًا من الشباب السوري، وسط فوضى اقتصادية وقانونية، وضعف في الرقابة، وغياب للردع. وفي ظل غياب بدائل حقيقية وفرص للعيش الكريم، تظل شاشات الهواتف الذكية تلمع بوعود كاذبة، بينما الواقع أشد قسوة من كل الخسائر الافتراضية.
إقرأ أيضاً: بين الإحباط والأمل.. الشارع الدمشقي منقسم حول واقع العاصمة
إقرأ أيضاً: ارتفاع معدلات الطلاق في سوريا: الفقر وسوء الاختيار في مقدمة الأسباب