غياب النخب يعيق الانتقال في سوريا.. خبراء يدعون إلى إشراك الكفاءات
في ظل التحوّلات السياسية والإدارية التي تشهدها سوريا عقب تشكيل الحكومة الانتقالية برئاسة أحمد الشرع أواخر آذار الماضي، يتصاعد الجدل حول فعالية الأداء الحكومي ومدى استجابته لتحديات المرحلة الجديدة، خاصة في ضوء غياب واضح للكفاءات والنخب المتخصصة في مواقع صناعة القرار.
ورغم اعتماد الحكومة على نهج “التكنوقراط”، يرى عدد من الخبراء أن بعض التعيينات الأخيرة لم ترتقِ إلى مستوى الطموحات، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى كفاءات علمية وإدارية قادرة على قيادة مشاريع إعادة البناء ومواكبة الانفتاح الدولي والاستثماري عقب رفع العقوبات.
التشاركية كمدخل للاستقرار
يرى أستاذ إدارة الأعمال الدولية في جامعة اللاذقية، الدكتور علي ميا، أن إشراك النخب المتخصصة في عملية صنع القرار ضرورة لا غنى عنها لضمان استقرار سياسي واجتماعي مستدام. وأكد أن التشاركية تعزّز العدالة الاجتماعية وتقلل من التهميش، ما من شأنه خلق بيئة مواتية للتنمية وتحقيق شعور أوسع بالانتماء الوطني.
كما دعا إلى تسريع تمكين الكفاءات داخل المؤسسات الحكومية، معتبرًا أن غيابهم يترك فراغًا يُعيق التخطيط الاستراتيجي والاستجابة لتحديات الحاضر، في وقت باتت فيه البلاد بحاجة ماسة لتوجيه الموارد نحو أولويات مدروسة.
قرارات قصيرة المدى وضعف في الرؤية
الدكتور زكوان قريط، أستاذ الإدارة العامة بجامعة دمشق، أشار إلى أن غياب النخب يؤثر سلبًا على جودة القرارات الحكومية، والتي غالبًا ما تكون قصيرة الأمد وتفتقر إلى الرؤية الشمولية. واعتبر أن تطوير السياسات يتطلب وجود مؤسسات تعتمد على تحليل البيانات والخبرات المتراكمة، بدلًا من نهج الإقصاء والمحاصصة.
وأكد قريط أن إعادة النظر في الهياكل الإدارية، وتطوير آليات اتخاذ القرار، يمثلان مدخلًا مهمًا لبناء مؤسسات أكثر فاعلية، داعيًا إلى تمكين التخصصات العلمية والعملية ضمن منظومة الحكم.
شرعية الإنجاز بدلًا من التمثيل
من جهته، أشار معن طلاع، مدير الأبحاث في مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية”، إلى أن الحكومة الانتقالية الحالية لم تُشكَّل على أساس تمثيل سياسي ناتج عن توافقات أو انتخابات، بل انطلقت من سياق توصيفه بـ”انتصار الثورة”.
وبرأيه، فإن شرعية الإنجاز، لا التمثيل السياسي، هي ما يحكم نظرة المواطن إلى الحكومة اليوم. وأضاف أن ملفات الخدمات والطاقة والأمن والمعيشة تتصدر اهتمامات السوريين، معتبرًا أن النجاح في هذه المجالات يعزز من واقعية الشرعية، ويزيد من ثقة الشارع.
التنوّع والتشاركية ضمان للوحدة
الكاتب والباحث السياسي الدكتور عبد الله تركماني شدد على أن التشاركية لا يجب أن تُختزل بمطالب المكونات الأقلوية، بل هي مطلب وطني شامل، وركيزة أساسية لبناء دولة القانون. وأشار إلى أهمية القطيعة مع ثقافة الشعارات، والتوجّه نحو حلول عملية تستند إلى مبادئ المواطنة والمساواة.
بيئة محفّزة للنخب
في ختام الآراء، شدد الخبراء على أن استقطاب الكفاءات لا يقتصر على التعيين، بل يتطلب توفير بيئة مهنية داعمة، تتسم بالشفافية والمساءلة، وتمنح النخب القدرة على التأثير الفعلي في صنع القرار.
ويرى الدكتور ميا أن الفشل في ذلك يعني ضياع الثروة البشرية، واستمرار نهج التهميش، ما يهدد فرص الاستقرار السياسي والاقتصادي، ويقوّض الجهود التنموية في مرحلة ما بعد النزاع.
تبقى مشاركة الكفاءات في مراكز القرار مطلبًا محوريًا للمرحلة المقبلة، وسط حاجة ملحّة إلى مقاربة شاملة تدعم التشاركية وتبني مؤسسات تستند إلى الكفاءة والمعرفة، لا الولاءات.
اقرأ أيضاً:الشرع بين الوحدة والتقسيم .. تناقض الخطاب والأداء السياسي
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب