دمج المقاتلين الأجانب في الجيش السوري الجديد: ضوء أخضر أميركي أم استثمار استراتيجي؟

داما بوست -خاص

أثار إعلان وكالة رويترز عن موافقة الولايات المتحدة على خطة دمج آلاف المقاتلين الجهاديين السابقين في الجيش السوري الجديد موجة واسعة من الجدل والقلق داخل الأوساط السياسية والحقوقية، وسط تساؤلات حول الدوافع الحقيقية لهذا القرار وتبعاته المستقبلية، خصوصاً أنه يشمل مقاتلين أجانب معظمهم من الإيغور، المرتبطين أيديولوجياً بالحزب الإسلامي التركستاني، وهو فصيل جهادي عابر للحدود، اعتبر البعض أن التغير في الموقف الأمريكي كان مفاجئاً بعد أن كان استبعادهم أحد أهم الشروط الأمريكية.

إقرأ أيضاً: معظمهم من الأويغور… واشنطن توافق على دمج آلاف المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري

وأكد مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سوريا أن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لدمج هؤلاء المقاتلين ضمن الجيش السوري الجديد، بشرط أن يتم ذلك بشفافية، مضيفًا أن “كثيرًا منهم موالون للإدارة السورية الجديدة، ومن الأفضل احتواؤهم ضمن مشروع الدولة بدلاً من استبعادهم”.

كما نقلت رويترز عن دفاعيين سوريين قولهم إن ترك هؤلاء المقاتلين خارج الجيش قد يدفعهم إلى الالتحاق بتنظيمي “داعش” أو “القاعدة”. غير أن هذه الخبر سرعان ما لاقى نقداً من باحثين مختصين، معتبرين أن هذا التبرير نفسه يدل على أن هؤلاء المقاتلين لديهم أفكار تخولهم للانضمام إلى داعش، فيما قال آخرون أن هؤلاء قاتلوا من أجل تحرير سوريا إذ لا بد من مكافئتهم وتعويضهم عن وقوفهم إلى جانب الشعب السوري.

الحزب الإسلامي التركستاني: فوق الدولة وتحت “الراية

يُعد الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يشكّل الغالبية من هؤلاء المقاتلين، أحد تجليات السلفية الجهادية العابرة للحدود. فالحزب، الذي يتمركز تنظيمياً في أفغانستان بقيادة عبد الحق، لا يعترف بالحدود القُطرية، ويُبشّر بقيام “دولة الأمة” وفق منهج “الولاء والبراء” حسب بيانات الحزب نفسه.

من الزاوية الجيوسياسية، يرى مراقبون أن الضوء الأخضر الأميركي لا يُقرأ فقط في سياقه السوري، بل يُستخدم كورقة ضغط مباشرة تجاه الصين، فالإيغور الذين يُمثلون القوام الرئيس في الحزب الإسلامي التركستاني، هم أيضاً أبناء إقليم شينجيانغ الصيني (تركستان الشرقية)، الذي يشهد توتراً مستمراً بين بكين وأبناء الأقلية المسلمة.

ويعتبر بعض الخبراء أن واشنطن تحاول إبقاء ملف الإيغور حيًا ومفتوحًا في وجه الصين، في ظل توترات متصاعدة حول ملف حقوق الإنسان والانتهاكات في الإقليم الغربي، فـ تثبيت وجود فصيل عسكري مسلّح ذي ارتباط مباشر بقضية الإيغور على حدود الأزمات الإقليمية، تكون الولايات المتحدة قد منحت نفسها ورقة استراتيجية في صراع طويل الأمد مع بكين.

التساؤلات لا تتوقف عند البُعد الخارجي. فالخطوة تكشف – وفق مراقبين – تضارباً داخلياً في خطاب السلطة السورية الجديدة نفسها، إذ كيف يمكن لحكومة ترفض مطالب بعض المكونات السورية باللامركزية، أن تُشهر فعلياً دعماً لحركة تسعى لاستقلال ذاتي في شينجيانغ؟ وكيف توفّق بين تمسكها بمركزية الدولة من جهة، ودعم فصيل هدفه إقامة حكم ذاتي إسلامي في دولة أخرى من جهة ثانية؟

مستقبل مبهم وخيارات مؤجلة

تؤكد التحليلات أن الدمج الجاري للمقاتلين الإيغور ضمن “الفرقة 84” والتي ستضم أيضًا عناصر سوريين في الجيش السوري لن يكون مجرد عملية أمنية مؤقتة، بل قد يخلق إشكاليات بعيدة المدى، سواء على صعيد العقيدة العسكرية أو الأمن الوطني، أو حتى في العلاقات مع دول الجوار والفاعلين الدوليين، وعلى رأسهم الصين.

في المقابل، ترى بعض الجهات أن خيار الدمج يُمثل حلاً – أكثر أمانًا وواقعية – للتعامل مع المقاتلين الأجانب، من خلال وضعهم تحت مظلة وزارة الدفاع وإخضاعهم للقوانين والأنظمة العسكرية، بدلاً من تركهم كفصائل متفلّتة خارج السيطرة، قد تُستغل من قبل أطراف خارجية وتحوّلهم إلى قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة.

 

الإيغور بين الانضباط العسكري والولاء الخارجي

يُرجّح بعض المتابعين أن اختيار ضم المقاتلين الإيغور تحديدًا دون غيرهم من الأجانب قد يعود إلى ما يُعرف عنهم من انضباط والتزام وولاء واضح للقيادة السورية الجديدة، وهو ما يمنحهم دورًا مضاعفًا داخل المعادلة العسكرية، ليس فقط كمقاتلين، بل كدرع أمني محتمل في حال تمردت فصائل أجنبية أخرى أو حاولت الانقلاب على السلطة الناشئة.

ويُضاف إلى ذلك، أن استمرار التهديدات التي يوجّهها تنظيم داعش تجاه الحكم الجديد قد يدفع القيادة العسكرية إلى الاستفادة من القدرات القتالية العالية التي يتمتع بها هؤلاء المقاتلون، خصوصًا في المواجهات غير التقليدية، ما يجعل وجودهم جزءًا من معادلة الردع والحماية في دمشق.

وفي السياق ذاته، يشير بعض سكان إدلب إلى أن المقاتلين الإيغور لم يُسجّل بحقهم ارتكاب انتهاكات تُذكر خلال فترة وجودهم في المنطقة، إذ حافظوا على تمركزهم في جبال اللاذقية وأطراف إدلب وحلب، بعيدًا عن المراكز المدنية، ولم يحتكوا بشكل مباشر مع السكان المحليين، الأمر الذي عزز النظرة إليهم كمقاتلين منضبطين أكثر من كونهم مصدر تهديد داخلي.

من جهة أخرى، حذّر بعض المراقبين من أن الإيغور يخضعون لمرجعية خارجية متمثلة في الحزب الإسلامي التركستاني، ما قد يُشكل تهديدًا مباشرًا للأمن الوطني السوري، وأوضحوا أن وجود قيادة خارجية قد يعني إمكانية تلقي أوامر وتعليمات لا تنسجم مع التوجهات الوطنية أو السيادة السورية، الأمر الذي يجعل من هؤلاء المقاتلين قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة، في حال تعارضت مصالح الحزب مع أولويات الدولة السورية.
في ظل غياب إجماع وطني حول الخطوة، وعدم وجود رقابة شعبية أو برلمانية على قرارات بهذا الحجم، تبدو سوريا أمام مفترق طرق.

إقرأ أيضاً: الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا: من الجهاد إلى التكيّف العسكري

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.