أجواء ملغومة: تنافس القوة بين تركيا و”إسرائيل” في سوريا

داما بوست-خاص

لم تكن أدخنة المعارك التي أطاحت بالنظام السوري السابق قد خمدت بعد، حتى بدأت ملامح صراع من نوع آخر تتبلور في الأفق؛ صراع لا يبحث عن “شرعية” السلطة بقدر ما يبحث عن “رسم الخرائط النهائية”.

اليوم، وفي خضم عام 2025، لم تعد سوريا مجرد دولة تعيد بناء نفسها، بل تحولت إلى رقعة شطرنج دامية بين قطبين إقليميين: تركيا التي تطمح لترميم “العمق الاستراتيجي” ودعم استقرار الحكم الجديد، و”إسرائيل” التي تعمل على فرض “الواقع الأمني المتشظي” كضمانة وحيدة لتفوقها

دمشق في عين العاصفة: حكومة الشرع وتحدي الجوار

تمثل نقطة التحول الكبرى في هذا الصراع في الحضور التركي المكثف بدمشق، والذي لم يعد يقتصر على الدعم الدبلوماسي، بل انتقل إلى محاولة بناء هيكلية أمنية صلبة لحكومة “أحمد الشرع” الانتقالية.

تركيا تسعى لتحويل الجيش السوري الجديد إلى قوة نظامية قادرة على ضبط الحدود وبسط السيادة، وهو ما تعتبره أنقرة صمام أمان لإنهاء التهديدات العابرة للحدود.

ومع ذلك، يجد “الشرع” نفسه في موقف معقد؛ فهو يحتاج للثقل التركي لموازنة الضغوط، لكنه يواجه في المقابل كيان احتلال لا يقبل بأقل من سوريا منزوعة المخالب

“إسرائيل” تتبنى استراتيجية “السكين”؛ أي استمرار تقطيع أوصال الدولة السورية عبر غارات جوية لا تتوقف، استهدفت حتى محيط مقار سيادية وحيوية في قلب العاصمة.

الرسالة الإسرائيلية الموجهة لحكومة دمشق واضحة: أي ارتماء كامل في الأحضان التركية أو محاولة لامتلاك أسلحة دفاع جوي متطورة سيعامل كتهديد مباشر سيتم تحطيمه فوراً

محاور الاشتباك: من الجغرافيا إلى السيادة الجوية

 يتجلى التنافس التركي الإسرائيلي في ثلاثة ملفات رئيسية ترسم مستقبل البلاد.

ففي ملف “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، تبذل أنقرة جهوداً حثيثة لتفكيك هذا الكيان ودمج مكوناته في مؤسسات الدولة لتأمين حدودها الشمالية، بينما تعتبر “إسرائيل” وجود “قسد” كحائط صد يمنع قيام دولة سورية موحدة قوية على الرغم من عدم توافر معطيات تشير إلى وجود علاقات بين “قسد” و”إسرائيل”.

أما على صعيد السيادة، فقد انتقل الصراع إلى مستويات خطيرة مع أنباء قيام تركيا بنشر منظومات رصد ودفاع جوي لحماية المؤسسات السورية الجديدة، وهو ما تعتبره “تل أبيب” “تجاوزاً للخطوط الحمراء” لأنه يقيد حرية طيرانها الذي استباح الأجواء السورية بعد سقوط نظام بشار الأسد.

يمتد هذا الصراع إلى الأرض أيضاً عبر “المنطقة العازلة” التي تعمل “إسرائيل” على فرضها في الجنوب السوري وصولاً إلى عمق إلى 30 كم، في محاولة لقطع الطريق على أي تمدد للنفوذ التركي نحو الجنوب، وتحويل تلك المناطق إلى جيوب تخضع لإرادتها الأمنية بعيداً عن سيادة المركز في دمشق

صدام الإرادات: هل تشتعل الحرب المفتوحة؟

 المواجهة الحالية تأخذ بعداً استراتيجياً أعمق من مجرد نفوذ عابر؛ حيث تحاول “إسرائيل” استغلال مخاوف القوى الإقليمية من “المد التركي” لترهيب دمشق والغرب معاً

بينما تصر تركيا على أن استقرار سوريا هو جزء لا يتجزأ من أمنها القومي.

هذا التصادم في المصالح واكبه ضغط في المحافل الدولية وفي واشنطن، حيث تنشط اللوبيات الإسرائيلية لعرقلة أي تمكين عسكري لتركيا في الساحة السورية، بحجة أن ذلك سيغير توازن القوى التاريخي في المنطقة

يجمع المحللون على أن العلاقة تتأرجح بين “الصدام المنضبط” الذي يكتفي بضرب الوكلاء، وبين سيناريو “الانفجار الشامل”.

والخطورة تكمن في وقوع خطأ في الحسابات في الأجواء السورية؛ كأن تؤدي غارة إسرائيلية لمقتلة في صفوف المستشارين الأتراك.

إن سوريا اليوم تمثل الميدان الأكثر تعقيداً لاختبار توازنات القوة الإقليمية؛ حيث تتصادم رؤية تركيا التي تسعى لضمان “سوريا موحدة” تخدم مصالح أمنها القومي وتنهي هواجسها الحدودية، مع رؤية “إسرائيل” التي تفضل “سوريا ضعيفة ومجزأة” لضمان تفوقها العسكري المطلق.

وبين هذين المسارين، تجد الدولة السورية الجديدة نفسها أمام تحدي الوجود، محاولةً انتزاع سيادتها وسط إقليم (دول المنطقة) متطلبت يراقب كل تحرك ميداني ولا يتردد في التدخل العسكري عند أي هفوة سيادية تمس مصالحه.

 

اقرأ أيضاً:الإمارات في سوريا ما بعد الأسد: نفوذ هادئ، تنافس مفتوح، وحسابات إقليمية معقدة

اقرأ أيضاً:دمشق 2025: عندما تشتبك خرائط واشنطن مع مخاوف تل أبيب

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.