استثمارات على الورق… قراءة واقعية لمناخ الاستثمار في سوريا 2025

أعلنت الحكومة السورية عن ترخيص 1336 مشروعًا صناعيًا وحرفيًا خلال النصف الأول من عام 2025، باستثمارات تقدَّر بنحو 157 مليون دولار، وفقًا لبيانات وزارة الاقتصاد والصناعة. ورغم أن هذه الأرقام تبدو واعدة على الورق، إلا أن قراءة دقيقة لها تكشف عن تحديات عميقة تعوق تحول هذه المشاريع من الترخيص إلى التنفيذ الفعلي.

فجوة بين الأرقام والتنفيذ

بمتوسط استثمار لا يتجاوز 117 ألف دولار للمشروع الواحد، يتضح أن معظم المشاريع المرخصة صغيرة الحجم ومحدودة الأثر. ووفق تقرير رسمي، لم يدخل طور الإنتاج سوى 9 مشاريع من أصل 1336، أي أقل من 1%، ما يسلّط الضوء على الفجوة الكبيرة بين التصريحات الحكومية والواقع الاقتصادي على الأرض.

ضعف البنية التحتية، ونقص الطاقة، والتعقيدات البيروقراطية، هي من أبرز العوامل التي تُعطّل تنفيذ المشاريع، وسط بيئة اقتصادية وأمنية لا تزال غير مستقرة.

صناعة بطيئة في التحول

القطاع الصناعي، وبخاصة الصناعات الكيميائية، لا يزال يقتصر بمعظمه على مشاريع تجميع بسيطة، وفق تحليل لمركز دمشق للدراسات، المعتمد من وزارة الاقتصاد. وهذا يشير إلى استمرار الاعتماد على أنشطة ذات قيمة مضافة منخفضة، بدلًا من الاستثمار في الصناعات المتطورة المطلوبة لتحقيق تحول اقتصادي حقيقي.

وفي موازاة ذلك، تعاني البلاد من أزمة طاقة حادة، مع انقطاعات كهربائية تصل إلى 16 ساعة يوميًا في معظم المناطق، ما يشكّل عائقًا إضافيًا أمام أي تحرّك استثماري منتج.

المنتدى السوري–السعودي: بين الوعود والتنفيذ

وسط هذا المشهد، انعقد في دمشق منتدى الاستثمار السوري–السعودي بحضور وفد سعودي رفيع، أُعلن خلاله عن 47 اتفاقية ومذكرة تفاهم بقيمة 6.4 مليار دولار، شملت قطاعات الطاقة والبنية التحتية والسياحة والخدمات المالية.

وبرز من المنتدى مشروعان تم الانتقال بهما إلى مرحلة التنفيذ الفعلي:

  • مصنع فيحاء للأسمنت الأبيض في عدرا الصناعية (20 مليون دولار).

  • برج الجوهرة العقاري والتجاري في دمشق (100 مليون دولار، 32 طابقًا).

رغم ذلك، لا تزال معظم الاتفاقيات في طور التفاهم، ولم يُعلن بعد عن المدى الزمني أو التمويلي لتنفيذها.

دروس من الماضي

التاريخ الاقتصادي السوري شهد حالات مشابهة، كما في مؤتمر الاستثمار الخليجي 2008، الذي أعلن عن مشاريع طموحة لم تُنفَّذ في معظمها. ويثير ذلك مخاوف من تكرار النمط ذاته: ضجيج إعلامي دون نتائج فعلية.

تأثير محدود على الاقتصاد الكلي

حتى لو تحققت جميع الاستثمارات المعلَن عنها، فإن أثرها يبقى محدودًا أمام التحديات الهيكلية للاقتصاد السوري، الذي تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى حاجته لنحو 400 مليار دولار لإعادة الإعمار الشامل.

الاستثمارات الحالية، التي تتركز في قطاعات محدودة، لا تمس أولويات حيوية مثل التعليم، الصحة، التكنولوجيا، أو بناء مؤسسات إنتاجية مستدامة.

مخاطر غير مرئية

المستثمرون الأجانب يواجهون تحديات كبيرة لا تظهر دائمًا في التصريحات العلنية، بينها:

  • ارتفاع تكلفة التأمين الاستثماري (بين 15–25% سنويًا).

  • اشتراطات ضمانات حكومية أو دولية.

  • هشاشة الوضع الأمني، كما ظهر في أحداث السويداء الأخيرة.

حكومة جديدة، أداء متذبذب

بعد أكثر من 7 أشهر على تولي الحكومة الجديدة السلطة، بدا أداؤها متفاوتًا. فبينما نجحت في توقيع اتفاقيات جديدة، إلا أنها لم تحقق تحسنًا فعليًا في الخدمات الأساسية. والاعتماد على الإعلانات الاستثمارية الكبرى بدلًا من تحسين حياة المواطنين اليومية، قد يحصد نتائج إعلامية، لكن لا يؤسس لتنمية حقيقية.

الواقع كما هو

في المحصلة، لا يمكن الحديث عن انتعاش اقتصادي حقيقي قبل معالجة الإشكالات الأمنية، وتحقيق الاستقرار السياسي، وضمان الشفافية في تنفيذ المشاريع. فالمواطن السوري لن يُقنعه مصنع إسمنت أو برج استثماري، إن لم يُترجم ذلك إلى تحسن في مستوى المعيشة والخدمات اليومية.

المطلوب اليوم ليس المزيد من المؤتمرات، بل آليات رقابة وتنفيذ فعّالة، واستثمارات تمسّ أولويات المجتمع، وتمنح الاقتصاد السوري انطلاقة جديدة تستند إلى الوقائع لا الأمنيات.

إقرأ أيضاً: موانئ دبي.. هل تتحول طرطوس إلى بوابة سوريا الاقتصادية الإقليمية؟

إقرأ أيضاً: تجفيف السيولة في سوريا: بين السيطرة النقدية والانهيار الاقتصادي

إقرأ أيضاً: بين التحديات والفرص.. آفاق إعادة هيكلة الاقتصاد السوري في ظل تجربة ألمانيا التاريخية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.