داما بوست – مارينا منصور| يُخيّم الليل على العاصمة دمشق ويُسدل الستار على النهار وضوئه، لتنشط حياة خفية أخرى تختبئ في ثنايا السواد المدقع، وتبدأ دورة حياة “من نوعٍ آخر”، بطلاتها فتيات بألبسة برّاقة وكعوب عالية، يتخذن موقفاً لهن في الطرقات الفرعية التي تغيب عن العين، والشوارع القريبة من الفنادق المرموقة بالعاصمة والتي يصبح من السهل فيها التقاط الزبون الذي يرغب برفيقة تؤنس وحدته، بالإضافة إلى تواجدهن على الأوتسترادات مؤخراً في محاولة لتوسيع رقعة عملهن، لدرجة أن الزبون أصبح يعرف تماماً أين يجدهن، وإذا ضلّ الطريق تقوده رائحة عطورهن الفوّاحة، فهنّ بَنيْن مملكة خاصّة بممارساتهن غير الأخلاقية، ونصّبن أنفسهن على عرشها.
وبمجرد أن تقف السيارة أمام الفتاة، تتقدم من السائق بحركات إغراء متعمدة لتظهر مفاتنها ومقوّماتها التي تجعل سعر خدماتها أعلى من غيرها، ومن ثم تبدأ جولة “المداكشة” على سعر الليلة، وبعد “أخذ وصد ورد” تتفق على التسعيرة التي أصبح الحصول عليها أسهل وأسرع من الحصول على شهادة جامعية مرموقة.
فلا يكاد يخفى على أحد الانتشار الكبير لـ”بنات الليل” مؤخراً في البلاد، واللواتي يتمايلن على الشوارع سعياً منهن لإيجاد “فريسة” أو غنيمة جديدة قادرة على مبادلتهن خدمة الجنس بالمال، ومَن “يسوق معهن” أيضاً ليس ببريء، إذ يقتنص الفرصة لتفريغ شهواته وتحويل فعل شرّعه الله تحت رباط مقدس إلى تجارة ومقايضة.
لكن هل يمكن عد هؤلاء الفتيات مظلومات بسبب الظروف المأساوية التي قد يكنّ تعرّضن لها في بيوتهن؟ وضحايا للظروف المعيشية القاسية التي دفعت العديد منهن إلى خلع كرامتهن وإقصائها في سبيل إيجاد “لقمة العيش”؟
أم أنهن امتهنّ هذا الفعل لدرجة أنه أصبح عادياً بالنسبة لهن وشرّعنه كعمل ومكسب لا عيب فيه “بنظرهن” طالما أن الطرف الآخر موافق، أي صفقة باتفاق بين طرفين، فهنّ قبلن بترخيص أجسادهن لدرجة أن شراءها أصبح مقابل المال “وسخ الدنيا”.
قصّة تقشعر لها الأبدان!
تروي نور (اسم مستعار) القصة التي غيّرت حياتها وقلبتها رأساً على عقب لشبكة “داما بوست” وتقول: “بدأت الحكاية عندما كنت في سن الـ14 في بداية بلوغي، وتوفي والدي الذي كان من كبار تجّار دمشق، وساءت أحوالنا المادية بسبب تراكم ديون والدي، عندها أجبرني أخي على مرافقة الرجال والذهاب معهن مقابل مبلغ مادي لسد ديوننا”.
وتابعت بخيبة: “حتى أن أخي كان يجبرني على حشو مناديل في صدري ليظهر أكبر من حجمه، وتكررت هذه العملية لأكثر من مرة، إلى أن حاول أخي في النهاية الاعتداء علي بالاغتصاب لكي يتسنى له تشغيلي في الدعارة بشكل رسمي مقابل مبالغ مالية كبيرة”.
وأكملت الفتاة في حديثها وهي تتذكر التفاصيل المؤلمة التي عاشتها: “هربت من منزل أهلي إلى مصير مجهول رفضاً للوضع الذي تم إجباري عليه، وتعرّفت على شاب وأحببته، لكنه لم يكن أفضل من أخي، إذ دسّ لي منوماً في الشراب واعتدى علي، وعندها فقدت الثقة بالجميع ولم أجد أمامي خياراً لأعيش سوى أن أصبح (بنت ليل)”.
دعارة مقنّعة بعقد زواج!
“اكتشفت بأنه قوّاد” هذا ما قالته رانيا (اسم مستعار) لشبكة “داما بوست”، بعد مرور 3 أشهر على زواجها من “رجل” أجبرها على العمل في “كازينو” بحجّة الليلة “بتسوى هديك الحسبة”، مشيرةً إلى أن الفرصة لم تتاح لها للعودة إلى منزل أهلها لأن وضعهم المادي سيء جداً، فأُجبرت على القبول بهذا الواقع لأن المعيشة في الحالتين يكتنفها الذل.
وأضافت: “اختفى أخو زوجي فجأة، فأجبر زوجي زوجة أخيه على العمل معي في الكازينو، كما امتدت رقعة الضحايا لتشمل فتاة مغربية أحضرها زوجي إلى البلاد بعقد عمل مزيّف لتعمل كخياطة، ليجبرها في النهاية على العمل معنا في ذات المكان”.
ما رأي القانون السوري؟
كشف المحامي وسام الشيخ لـ”داما بوست” أن تشغيل البنات في الدعارة يطلق عليه جرم “القوادة”، ومَن يقوم بتشغيلهن يسمى “قوّاد”، وهي من أقدم الممارسات في تاريخ البشرية.
وأشار المحامي إلى أن عقوبة “القوّاد” ليست كبيرة، والسبب أننا اليوم لا يمكن أن نقول عن شخص أنه يجبر فتاة على العمل بهذه المهنة، والدليل في القصص المذكورة سابقاً أن الفتيات قبلن بالواقع لعدم وجود دعم مادي من أهلهن أو مكان يذهبن إليه، مبيناً أنه كان بإمكانهن الرفض واللجوء لأي عمل آخر مهما كان ولكن ليس الدعارة.
وأوضح الشيخ أن أي فتاة تتعرض لإجبارها على العمل بالدعارة يمكنها اللجوء إلى أقرب مخفر وتقديم شكوى لتتم معاقبة “القوّاد” باعتباره مسهّلاً لجرم “الدعارة” أو محرّضاً عليه، ويُعاقب بالحبس من سنة لـ5 سنوات وإذا كانت الضحية قاصراً تشدد العقوبة لـ7سنوات، أما جرم “الدعارة” فيجب أن تتوافر به أركان منها أن تكون الفتاة معتادة على فعله، وأن تقوم به مع أكثر من شخص وليس مع شخص واحد، بالإضافة إلى وجود مقابل مادي، وعندها تُعاقب بالحبس من سنة لـ5 سنوات، وفي غالب الأوقات في سوريا يكون الحكم على كل من سهّل الدعارة أو مارسها بالحد الأدنى أي بين السنة لـ3 سنوات، أما عندما يحدث تكرار فتشدد العقوبة.
ولفت المحامي إلى أن مَن يؤجّر منزلاً ويعلم بأنه سيستخدم لغرض الدعارة يُعاقب بالحبس من 3 شهور للسنة.
كما بيّن الشيخ أن بعض الفتيات اللواتي يعملن بالدعارة عندما يصلن إلى عمر معين وتصبح لديهن خبرة، يبدأن بتصيّد فتيات أخريات وتشجيعهن على العمل بالدعارة، لافتاً إلى أن الدعارة شكلان، إما الدعارة الفردية أي أن الفتاة تعمل بالدعارة وحدها كالفتيات اللواتي يكنّ على الطرقات ويوقفن السيارات، أو دعارة بشكل منظّم من خلال مجموعة و”قوّاد” لهم بيت خاص وشبكة كاملة.
وحول قدوم فتيات من غير الجنسيات السورية للعمل في سوريا واكتشافهن أن عقد العمل مزيف كالقصة السابقة، ذكر المحامي أن هذا الجرم يتم النظر إليه على أنه احتيال وخداع ويتم التعامل معه في ظل القوانين السورية الموجودة لدينا، مشيراً إلى أن غالبية الفتيات الأجنبيات يدّعين أنهن لم يكنّ يعلمن بأن عملهن سيكون في الدعارة لدى أخذ تصريحات معينة منهن أو إلقاء القبض عليهن، وقد كان هذا الموضوع منتشراً قبل الأزمة السورية.
وأضاف: “لدى قدومهن إلى سوريا يحتجن إلى عقد عمل للإقامة، ويتم ذكر أي مهنة فيه للتغطية على ما وراءه، أما إذا تعرّضت الفتاة الأجنبية فعلاً للكذب في عقد العمل، فبإمكانها اللجوء إلى الشرطة، ليتم تحويلها إلى سفارة بلادها وترحيلها مع إيقاع عقوبة على مَن أجبرها على العمل في الدعارة”.
وشدد المحامي على أن هذا النوع من الجريمة المنظّمة و”المافيات” غير موجود في سوريا، ويظل خيار اللجوء إلى الشرطة متاحاً أمام الفتاة التي ترغب فعلاً بالتخلص من هذا الوضع، مؤكداً أن مَن تعمل كبنت ليل قبلت بهذا الواقع من تلقاء نفسها.