حلب: المونة المنزلية تتحول إلى مصدر رزق موسمي لفاقدات المعيل

مع اقتراب فصل الشتاء، تعود رائحة “المونة” التقليدية لتغمر أحياء حلب وريفها شمالي سورية، حيث تنشغل نساء كثيرات بتحضير المؤن المنزلية من المربيات والمخللات ودبس البندورة والفليفلة المجففة والمكدوس. هذه العادة التي ارتبطت لعقود بالذاكرة الاجتماعية لم تعد مجرد إرث غذائي، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى فرصة عمل موسمية للنساء اللواتي فقدن المعيل، في ظل الظروف الاقتصادية القاسية وارتفاع تكاليف المعيشة.

تقول حميدة العمر، وهي أرملة في الأربعينيات من حي الشعار، إنها وجدت في المونة وسيلة لتأمين دخل يقي أسرتها من الحاجة. وتوضح أنها تصنع دبس البندورة وقديد الباذنجان والمربيات بكميات محدودة وتبيعها حسب الطلب للجيران والمعارف، مشيرة إلى أن دخلها يتراوح بين 200 و400 دولار شهرياً، وهو مبلغ يكفي لتغطية أساسيات الحياة. ورغم الجهد الكبير وتكاليف الإنتاج المرتفعة، تصر على الاستمرار لأنه يمنحها شعوراً بالاستقلالية والكرامة.

وتشير حميدة إلى أن عدداً متزايداً من نساء الحي يعملن في المجال نفسه، خصوصاً الأرامل وزوجات المفقودين، حيث يشكّلن شبكات تضامن صغيرة تقوم على التعاون في شراء المواد الأولية بكميات كبيرة أو تقاسم العمل في التحضير والتوزيع، ما يخفف من الكلفة ويزيد من فرص البيع.

من جهتها، ترى سمر خليل من حي الحمدانية أن الطلب على المونة يزداد مع نهاية الصيف، خاصة من العائلات العاملة أو المغتربين العائدين، الذين يفضلون شراء المؤن الجاهزة. وتوضح أنها تبيع دبس الفليفلة بنحو 45 ألف ليرة للكيلوغرام، ودبس البندورة بـ30 ألفاً، والمربى بين 35 و50 ألفاً، مؤكدة أن الترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي ساعدها على توسيع دائرة الزبائن. وتضيف أن ما يميز هذا العمل أنه لا يتطلب مغادرة المنزل، بل يعتمد على جهد جماعي تتقاسمه مع بناتها وأخواتها.

أما في سوق باب جنين بحلب، فيؤكد التاجر مناف التمر أن موسم المونة يشهد حركة غير عادية، لكن الأسعار المرتفعة تثقل كاهل الأسر. ويوضح أن سعر كيلو البندورة المعدة للدبس يتراوح بين 10 و15 ألف ليرة، فيما يصل كيلو الفليفلة الحمراء إلى 18 ألفاً، في حين ارتفع سعر كيس السكر (50 كيلوغراماً) إلى أكثر من مليوني ليرة، ما انعكس مباشرة على تكاليف إنتاج المربيات وبقية المؤن.

ويشير الخبير الاقتصادي مروان درويش إلى أن المونة المنزلية تمثل شكلاً من أشكال “الاقتصاد غير الرسمي” الذي بات يشكل متنفساً للنساء فاقدات المعيل. ويرى أن هذا النشاط، رغم صعوبته، يمكّن المرأة من تحقيق دخل يساعد أسرتها على البقاء، لكنه يظل محصوراً في نطاق ضيق لغياب قنوات تسويق واسعة أو دعم يضمن استمراريته كمصدر دخل مستدام.

وبينما تعكس المونة في الذاكرة الشعبية قيمة اجتماعية مرتبطة بالماضي، فإنها في واقع اليوم غدت شريان حياة لآلاف النساء الحلبيات، ووسيلة لمواجهة الفقر بكرامة، وسط ظروف اقتصادية ومعيشية لا تزال تتفاقم.

اقرأ أيضاً:مشاريع المونة المنزلية: فرصة مربحة وراحة لربات البيوت

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.