سوريا في مرحلة “التهدئة غير المكتملة”: قراءة في مشهد إدارة الهويات وتوازنات القوى
تشهد سوريا اليوم مرحلة دقيقة يمكن وصفها بـ “التهدئة غير المكتملة”، حيث يغيب التصعيد العسكري الكبير، لكن دون الوصول إلى استقرار اجتماعي راسخ.
ويتلخص المشهد في توازن حذر بين مركز يسعى للإمساك بالملف الوطني، وأطراف تختبر حدود دورها في سوريا الجديدة.
أولاً: المشهد الأمني والعسكري.. جمود وضبط خارجي
يخيم الجمود العسكري على الخارطة السورية حالياً. وتتجلى أبرز ملامح هذا الجمود في:
الجبهة الجنوبية: استمرار سياسة الضبط “الإسرائيلي” عبر تحليق استطلاعي محدود فوق القنيطرة وريف درعا دون ضربات تصعيدية
ملف “قسد”: لا يزال ملف دمج قوات سوريا الديمقراطية مجمداً، بانتظار توافق أميركي-تركي، في ظل تمسك “قسد” بضمانات دستورية قبل أي خطوة.
مكافحة الإرهاب: حضور ملف الحرب على تنظيم داعش سياسياً أكثر منه ميدانياً.
ثانياً: ديناميات المكونات الداخلية.. اختبار الثقة
انتقل الصراع في سوريا من “ساحة السلاح” إلى “ساحة إدارة الهويات والطمأنة السياسية”. وترسم المناطق السورية ملامح هذا الاختبار كما يلي:
الساحل السوري: يمر بمرحلة مراقبة بعد الإضراب، مع عودة جزئية للحياة وحذر عام ينتظر خطوات حكومية ملموسة.
السويداء: تعيش استقراراً هشاً قائماً على الردع الذاتي، مع مزاج شعبي متحفز لأي تطور مركزي
حمص: تظل هي “الميزان” وخط الإنذار الأهم؛ فأي اهتزاز فيها قد يغير قواعد اللعبة بالكامل
ثالثاً: الجغرافيا السياسية.. أدوار اللاعبين الدوليين
تتحرك القوى الدولية في المشهد السوري وفق مصالح محددة:
الولايات المتحدة: تبرز كلاعب الضبط الرئيسي، مع توجه يدعم مسار “اللامركزية الواقعية”
روسيا: يتراجع تأثيرها السياسي المباشر، مع الحفاظ على حضور غير مباشر عبر شبكات قديمة
تركيا والخليج: تركز تركيا على الشمال الشرقي ، بينما يتبنى الخليج مقاربة اقتصادية حذرة
رابعاً: الواقع الاقتصادي.. استقرار رقمي وقلق نفسي
يعكس الاقتصاد السوري حالة من الترقب؛ حيث استقرت الليرة السورية رقمياً بين 10,900 و 11,100 للدولار حسب نشرة مصرف سوريا امركزي. ومع ذلك، فإن هذا الاستقرار يوصف بالهش، إذ يعاني السوق من:
- ضغوط تضخمية مستمرة
- ترقب المستثمرين والمغتربين لوضوح سياسي واجتماعي أكبر قبل ضخ رؤوس الأموال
- عمل المرافئ بوتيرة منخفضة.
خامساً: “مؤشرات الظل” واستشراف المستقبل
الدولة الجديدة تُختبر اليوم عبر قدرتها على “إدارة التنوع دون قمع”. وتضعنا المحاكاة المستقبلية أمام ثلاثة سيناريوهات:
1- السيناريو المرجح (70%): استمرار التهدئة الهشة واحتواء المطالب دون حلول جذرية.
2- سيناريو التوتر (20%): عودة توترات محلية منخفضة الشدة في الساحل أو حمص
3- سيناريو الانفراج (10%): تفاهم سياسي واسع يعيد تعريف العلاقة بين المركز والمكونات
سوريا اليوم لا تنزلق نحو الهاوية، لكنها في الوقت ذاته لا تستقر بشكل نهائي.
إن نجاح الحكومة الانتقالية مرهون بقدرتها على تحويل هذه التهدئة المؤقتة إلى ثقة سياسية مستدامة، ومعالجة الفجوة المستمرة بين الخطاب الرسمي والتنفيذ على الأرض
إقرأ أيضاً: ظهور حواجز مؤقتة لعناصر يُشتبه بانتمائهم لتنظيم داعش في ريف حلب ودير الزور يثير قلق المدنيين