احتجاجات الساحل السوري: ماذا يريد العلويون من الحكومة الانتقالية؟

لم تعد التحركات الأخيرة في الساحل السوري مجرّد احتجاجات عابرة، بل باتت تعكس تحولًا سياسيًا واجتماعيًا قيد التشكل، تتقاطع فيه مسارات سلمية علنية مع مخاوف من سيناريوهات عسكرية تُناقَش إعلاميًا دون أن تتجسّد بشكل واضح على الأرض.

وبينما يبدو النهج السلمي هو الأكثر حضورًا وتماسكًا، تظل الأسئلة الثقيلة قائمة حول ما يجري في الكواليس، وإمكانية أن تؤدي تقاطعات الأجندات الإقليمية والدولية إلى مسار تصعيدي جديد، ما يفتح نقاشًا واسعًا حول مطالب العلويين الحقيقية من الحكومة في دمشق، وخيارات هذه الحكومة في بناء سوريا جامعة قائمة على المواطنة والعدالة، وفق قاعدة “لا غالب ولا مغلوب”.

حالة اجتماعية سياسية لا برنامجًا طائفيًا:

يرى الصحفي في جريدة “النهار”، عبد الله سليمان علي، في حديث إلى عنب بلدي، أن ما يعيشه العلويون اليوم هو حالة اجتماعية-سياسية قيد التشكل، لا يمكن اختزالها في برنامج طائفي أو قائمة مطالب موحدة.

ويؤكد أن المجتمع العلوي خرج من تجربة قاسية خلّفت ذاكرة مثقلة بالفقد، وتمثيلًا سياسيًا مضطربًا، إضافة إلى اشتباه أمني متواصل، وهي ثلاث طبقات متراكمة تُعاد اليوم من خلالها صياغة موقع هذا المكوّن داخل الدولة السورية الجديدة.

ذاكرة الحرب وإشكالية الاعتراف:

بحسب علي، يتحرك العلويون ضمن سردية غير مستقرة، إذ يُطلب منهم في آنٍ واحد القطيعة مع إرث النظام السابق، والتخفيف من سردية ضحاياهم لتنسجم مع خطاب وطني جديد.

هذا التناقض يولّد توترًا بين الحاجة إلى مراجعة الماضي والحاجة إلى الاعتراف بالجرح، خاصة حين يُعاد تعريف موقعهم السياسي بوصفهم “طرفًا خاسرًا”، ويُطلب منهم الإقرار بالهزيمة قبل العودة إلى المجال العام.

ويشير الصحفي عبدالله علي إلى أن قانون العدالة الانتقالية يركّز على جرائم النظام السابق دون أن يتضمن إطارًا لمعالجة الانتهاكات التي طالت العلويين خلال 14 عامًا، ما يطرح تساؤلات حول شمولية العدالة ومن تشملهم ومن تستثنيهم.

فراغ تمثيلي وتدخلات خارجية:

تتمثل الطبقة الثانية من الأزمة، وفق علي، في الفراغ التمثيلي الذي فتح الباب أمام قراءات متضاربة للحراك العلوي، تراوحت بين ربطه بـ”حلف الأقليات”، أو التأثير الخارجي، أو أدوار رمزية لشخصيات مقيمة في الخارج.

وأدى ذلك إلى انقسام حول مفهوم الصوت الشرعي، وإلى هشاشة في أي محاولة لتنظيم فعل سياسي داخلي، كما يفسّر التباين بين الطروحات التي تدعو إلى لامركزية موسّعة أو حتى الفيدرالية، والتي غالبًا ما تأتي كرد فعل على الإقصاء والعنف، لا كمشاريع انفصالية مسبقة، وفق علي.

الاشتباه الأمني… عبء دائم على الحراك المدني:

الطبقة الثالثة تتعلق بـالاشتباه الأمني الذي تصاعد بعد سقوط النظام، وتعزز عقب تقارير عن محاولات تسليح مرتبطة بشخصيات من النظام السابق، إلى جانب استخدام مصطلح “الفلول” بعد أحداث آذار.

هذا الواقع جعل من الصعب الفصل بين الاحتجاج المدني السلمي وبين مخاوف العسكرة، وبات العلوي مطالبًا بإثبات سلميته قبل التعبير عن رأيه، وكأن وجوده السياسي مشروط بعدم إثارة القلق الأمني.

رسائل متناقضة من السلطة:

أسهمت الرسائل المتضاربة من السلطة الانتقالية في تعميق الارتباك، من خطاب “انتهاء حكم الأقليات”، إلى تصريحات الرئيس أحمد الشرع حول أن “أبناء منطقة الرئيس ليسوا جميعًا رئيسًا”، مرورًا بالسماح بظهور خطاب كراهية طائفي في بعض التظاهرات دون محاسبة، ثم العودة للحديث عن أن العلويين كانوا من أكثر المتضررين من النظام السابق.

هذا التذبذب، بحسب علي، لا يمنح الطائفة شعورًا بالأمان ولا يسمح لها بحسم خياراتها السياسية.

ماذا يريد العلويون فعلًا؟

يخلص عبد الله سليمان علي إلى أن العلويين لا يطالبون اليوم بقائمة جاهزة، بل بـبيئة سياسية عادلة تتيح لهم:

1- مراجعة الذاكرة دون محوها

2- الاحتجاج دون شيطنة أو اتهام مسبق

3- المشاركة السياسية دون وصاية أو تمثيل مفروض

إنه انتقال من موقع الجماعة المتهمة إلى موقع المواطن الكامل الحقوق.

المطالب أبسط مما يُصوَّر إعلاميًا:

من جانبه، يرى الصحفي الاستقصائي في “سيريا أنتولد”، كمال شاهين، أن الحكومة الانتقالية قادرة على كسب أكثر من ثلاثة ملايين علوي إلى جانبها عبر خطوات عملية ورمزية مدروسة.

ويؤكد أن المطالب الأساسية للعلويين اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى، أبرزها:

1- وقف الممارسات التعسفية والتسريح الوظيفي

2- تحسين الوضعين الأمني والمعيشي

3- الاعتراف الرسمي بالمجازر والانتهاكات

4- رفض المسؤولية الجماعية واعتماد مبدأ المسؤولية الفردية

5- محاكمات عادلة وشفافة للجميع

كما شدد على أهمية زيارة الرئيس أحمد الشرع للساحل السوري كخطوة رمزية قادرة على تبديد المخاوف وقطع الطريق أمام مشاريع التفكك.

خطوات عملية لاستعادة الثقة:

تشمل الخطوات العملية، وفق شاهين:

1- معالجة ملف المعتقلين من الجيش السابق بشفافية

2- إشراف المجتمع المدني والمحامين على الإجراءات القضائية

3- تجريم خطاب الكراهية الطائفية

4- إشراك الأهالي في إدارة مناطقهم عبر مجالس محلية منتخبة

5- وقف الحملات الإعلامية التحريضية

ويرى أن هذه الإجراءات تمهّد لاستقرار الساحل، بما ينعكس إيجابًا على كامل سوريا.

القرار 2254… الطريق إلى سوريا جامعة:

يؤكد الكاتب والمترجم السوري ثائر ديب لعنب بلدي أن بناء دولة سورية جامعة لا يكون عبر مقاربات طائفية، بل من خلال تطبيق القرار الدولي 2254، الذي يراه إطارًا وطنيًا ديمقراطيًا تبنّاه السوريون قبل أن تتبناه الأمم المتحدة.

ويرى ديب أن أي تأجيل في تطبيق القرار يعني إعادة إنتاج تجربة النظام السابق، ويقود البلاد إلى جولات جديدة من الجراح والانقسام.

خلاصة:

تضع احتجاجات الساحل السوري الحكومة الانتقالية أمام اختبار حقيقي: إما بناء دولة مواطنة شاملة تعترف بالجراح وتفتح المجال السياسي للجميع، أو الوقوع في دوامة الإقصاء وإعادة إنتاج الصراع.

ويبقى كسب ثقة العلويين خطوة أساسية في طريق المصالحة الوطنية وبناء سوريا التي يتطلع إليها السوريون جميعًا.

إقرأ أيضاً: تصاعد الاحتجاجات في اللاذقية: موظفون يعتصمون ضد قرارات الفصل التعسفي الجائرة

إقرأ أيضاً: توتر اجتماعي وتصريحات دينية وسياسية في سوريا عقب احتجاجات للعلويين

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.