عام على سقوط الأسد: نساء علويات يواجهن موجة خطف واعتداءات جنسية

بعد مرور عام على سقوط نظام بشار الأسد، تتكشف في سوريا فصول جديدة من العنف الطائفي، كان آخرها موجة حوادث تستهدف نساء من الطائفة العلوية في عدة محافظات. ففي ظل مرحلة انتقالية مضطربة أمنياً، تتزايد الشهادات التي تتحدث عن اختطاف واعتداءات جنسية، وسط اتهامات للحكومة الجديدة بالعجز عن حماية الضحايا وغياب إجراءات فعّالة لملاحقة الجناة.

وبحسب شهادات ناجيات ومنظمات حقوقية، لا تتخذ هذه الاعتداءات شكل حملة منظّمة حتى الآن، لكنها تتسع في ظل فراغ أمني ناجم عن انهيار بنية مؤسسات الدولة السابقة، وظهور مجموعات مسلحة وشبكات تهريب تستغل هشاشة الوضع. وبينما ترفض الحكومة معظم البلاغات وتصفها بأنها “غير صحيحة”، تؤكد تقارير دولية أن حجم المشكلة أكبر مما يُعلن، وأن عدم التعامل معها بجدية ينذر بمخاطر اجتماعية وأمنية ضخمة، خصوصاً في مناطق الساحل.

انتهاكات بطابع طائفي

وكالة “أسوشيتد برس” أجرت سلسلة مقابلات مع ناجيات وأقارب ضحايا، وجميعها ترسم صورة متقاربة لعمليات خطف تتم في وضح النهار أو أثناء التنقل بين القرى، مروراً بحواجز يتبع بعضها لجهات حكومية دون اعتراض. وتُحتجز الضحايا في منازل أو مبانٍ مهجورة، وتتعرضن لاعتداءات متكررة، إضافة إلى تهديدات بالقتل إذا حاولن المقاومة أو كشف ما جرى معهن.

وتروي إحدى الناجيات أن عملية خطفها كشفت ثغرات أمنية واسعة؛ فقد تم نقلها بين عدة حواجز من دون تفتيش، قبل أن تُحتجز في مبنى يضم عشرات المسلحين. وبعد انتشار خبر اختطافها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تدخّل شخص يُدعى “أبو محمد” وأمر بالإفراج عنها. لكن عودتها إلى منزلها لم تُنهِ محنتها، إذ بادر زوجها إلى تطليقها فوراً، ما عمّق من آثار الصدمة النفسية.

وتضيف المرأة أن أحد المهاجمين خاطبها بعبارات طائفية مهينة، مؤكداً أن “نساء العلويين وُلدن ليكن سبايا”. واختارت عدم الكشف عن هويتها خشية الانتقام.

وتشير منظمات حقوقية إلى أن عشرات النساء العلويات تعرضن للاختطاف والاعتداء في الفترة التي تلت سقوط الأسد، مرجحة أن بعض منفذي الهجمات من متطرفين أو جهاديين قاتلوا سابقاً ضمن تشكيلات قريبة من هيئة تحرير الشام.

إنكار رسمي وتحذيرات دولية

ورغم خطورة الشهادات، تصرّ سلطات الحكم الجديد على التقليل من شأنها. فقد أعلنت لجنة حكومية التحقيق في 42 بلاغاً قالت إن معظمها “غير دقيق”، مضيفة أنها لم تتمكن من تأكيد سوى حالة واحدة فقط. هذا الموقف أثار انتقادات واسعة من منظمات دولية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية.

الأمينة العامة للمنظمة، أغنيس كالامارد، اعتبرت أن ما يحدث لا يمكن “طمسه لأنه يربك السلطات أو يسيء لصورتها”، مشددة على أن إنكار حجم المشكلة يساهم في استمرار العنف.

ورفض المتحدث باسم وزارة الداخلية مراراً الرد على أسئلة الوكالة بشأن طبيعة التحقيقات أو الإجراءات المتخذة ضد المتورطين.

شهادات صادمة

من بين الشهادات التي وثقتها الوكالة، حالة فتاة تبلغ من العمر 19 عاماً، اختُطفت على يد رجل عراقي واثنين من المقاتلين الأجانب. وتقول الفتاة إن خاطفيها هددوها بالقتل، واعتدى أحدهم عليها بضرب رأسها بزجاج السيارة، قبل أن تُحتجز في قبو منزل حيث حاولت الانتحار خلال فترة الأسر.

وبعد إطلاق سراحها، أبلغت السلطات وتمكنت من التعرف على أحد المهاجمين عبر كاميرا مراقبة، لكن لم تُعرف لاحقاً أي تفاصيل عن مصيره أو عن إجراءات المتابعة. ولخشية العائلة من الانتقام، غادرت المنطقة بعد الحادثة.

ثغرات أمنية وبيئة خصبة للعنف

يرى مراقبون أن السلطات الانتقالية لم تنجح في تأسيس جهاز أمني قادر على مواجهة العصابات المسلحة ومجموعات التهريب التي ظهرت بقوة بعد سقوط النظام السابق. ويقول رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن تقرير وزارة الداخلية “لا يعكس الواقع”، مؤكداً أن عدد الحالات أكبر بكثير مما هو مُعلن.

وتشير عائلات الضحايا إلى أن الشكاوى تُسجَّل رسمياً، لكن لا أحد يعرف ما إذا كان هناك مشتبه بهم أُوقفوا فعلاً أو ما إذا كانت السلطات تتعقب الجناة. وفي ظل غياب الشفافية، يتصاعد القلق من أن تتحول هذه الاعتداءات إلى نمط أوسع يكرس الانقسام الطائفي.

مخاوف من توسع الظاهرة

حتى الآن، لم توضّح السلطات ما إذا كانت ستعيد فتح التحقيقات أو تكشف نتائج جديدة، بينما تتزايد المخاوف من أن يؤدي تجاهل هذه الانتهاكات إلى إرساء واقع خطير يصعب احتواؤه لاحقاً. ومع استمرار الفراغ الأمني وتعمق التوترات الطائفية، تخشى منظمات حقوقية من أن تصبح النساء العلويات هدفاً أكثر سهولة في بيئة لم تُبنَ فيها بعد منظومات حماية فعّالة.

اقرأ أيضاً:إضراب الكرامة في الساحل السوري: شلل تجاري ورفض للانتهاكات الطائفية في يومه الثالث

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.