فصل الذكور عن الإناث في مدارس دمشق: جدل تربوي وتأثيرات اجتماعية
مع انطلاق العام الدراسي الجديد، بدأت بعض المدارس في دمشق وريفها بتطبيق فصل الطلاب بحسب الجنس، سواء عبر تخصيص مدارس مستقلة لكل جنس أو من خلال عزل الصفوف داخل المدرسة الواحدة. هذه الإجراءات أثارت جدلاً واسعاً بين الأهالي والمختصين، إذ يعتبرها كثيرون مرآة لأزمة اجتماعية وتربوية أعمق، قد تترك آثاراً طويلة على مهارات الأطفال الاجتماعية وقدرتهم على التفاعل مع الجنس الآخر.
التناقض بين النفي الرسمي والتطبيق العملي
رغم نفي وزارة التربية والتعليم السورية صدور أي قرار رسمي بفصل الطلاب، إلا أن الأهالي يؤكدون أن عدداً من المدارس بدأ فعلياً بتطبيق هذه السياسات. وأشارت أم ليان، والدة طفلة في الصف الأول، إلى أن ابنتها فوجئت بفصلها عن زملائها الذكور منذ اليوم الأول للدوام، وهو ما أثار لديها شعوراً بالقلق حيال الآثار النفسية والاجتماعية على المدى الطويل.
أما أبو كريم، والد طفل في الصف الثالث، فقد اكتشف فصل أبنائه عن الفتيات حين رافقهم للمدرسة، واصفاً القرار بأنه مقدم لفصل أكبر محتمل مستقبلاً، ومعبراً عن مخاوفه من أن يصبح هذا الانعزال جزءاً من الحياة اليومية للأطفال.
تعليمات “غير رسمية” وتطبيقها على الأرض
مديرة إحدى المدارس الابتدائية في ريف دمشق أكدت أن التعليمات جاءت عبر مجموعات واتساب بصيغة غير رسمية، تضمنت إعادة توزيع الطلاب هجائياً وفصل الذكور عن الإناث، مع السماح بالاختلاط فقط عند الضرورة. وذكرت المديرة أن الكادر التعليمي بدأ في تطبيق التعليمات رغم صعوبتها، خاصة بسبب تفاوت أعداد الطلاب بين البنات والصبيان وقلة الكوادر.
في المقابل، لم تصدر وزارة التربية أي بيان رسمي يؤكد أو ينفي هذه الممارسات، فيما أصدرت مؤخراً تعميماً بمنع ترديد أي شعارات أو أناشيد في المدارس العامة والخاصة، ما يعكس حالة من ازدواجية المعايير في تطبيق السياسات التربوية.
آثار تربوية واجتماعية بعيدة المدى
تؤكد الناشطة والمرشدة النفسية ميرنا حنّا أن فصل الطلاب في المرحلة الابتدائية قد يترك أثراً طويل المدى على مهاراتهم الاجتماعية وتفاعلهم مع الجنس الآخر، ويزرع لديهم مفاهيم خاطئة عن الجنس الآخر قد تستمر مدى الحياة، سواء في التعليم العالي أو سوق العمل أو الحياة الأسرية.
حنّا أوضحت أن الفصل منذ سن مبكرة قد يؤدي إلى صعوبة التعامل بين الشباب والفتيات مستقبلاً، ويحد من الفرص المتاحة للبنات، ويجعل الذكور يعتادون على أن البنات لسن جزءاً من حياتهم الطبيعية. وأكدت أن هذه الإجراءات ليست مجرد تنظيم صفوف، بل جزء من توجه أوسع نحو تكريس القيود على النساء منذ الطفولة.
التحديات الحالية والمخاوف المستقبلية
غياب أي قرار وزاري رسمي، إلى جانب التطبيق الفعلي لبعض المدارس، جعل الأهالي في حالة قلق دائم. ويرى كثيرون أن المدارس يجب أن تبقى فضاءً للتلاقي والاندماج، لا للتقسيم والعزل، فيما يطرح الفصل في المدارس الابتدائية أسئلة أعمق حول المستقبل الاجتماعي للأطفال وتنشئتهم في بيئة قائمة على التمييز منذ السنوات الأولى للدراسة.
اقرأ أيضاً:سوريا تتراجع عن الأتمتة إلغاء نظام الاختبارات المؤتمتة للثانوية العامة