كشف تحقيق لرويترز نُشر في يونيو 2025 عن أحداث دامية شهدتها سوريا بين 7 و9 مارس 2025، حيث قُتل ما يقارب 1500 مدني علوي على يد قوات حكومية وقوات موالية للرئيس أحمد الشرع. وصف التقرير هذه الأحداث بأنها “رد انتقامي” على تمرد محدود قام به موالون سابقون لنظام الأسد، مما أدى إلى مقتل نحو 200 عنصر أمني. أدت هذه الأحداث إلى تصاعد غير مسبوق للعنف في منطقة تُعتبر تاريخيًا قاعدة اجتماعية وسياسية للنظام.
تفاصيل المجزرة وهوية المتورطين
بناءً على شهادات ومقاطع فيديو تم التحقق منها، تُظهر عمليات القتل طابعًا طائفيًا واضحًا، حيث كان المهاجمون يستفسرون عن الانتماء الطائفي للضحايا قبل تصفيتهم. عبارة “كنتم أقلية، والآن أنتم نادرة” التي عُثر عليها على جدران القرى المنكوبة، تشير إلى وجود نية للتطهير الطائفي.
أشار تقرير رويترز إلى تورط فصائل مسلحة متنوعة في هذه العمليات، منها:
- وحدات سابقة من “هيئة تحرير الشام”: مثل كتيبة عثمان وجهاز الأمن العام، الذي تحول لاحقًا إلى وزارة الداخلية.
- فصائل مدعومة من تركيا: كـ “فرقة السلطان سليمان شاه” و”فرقة الحمزة”.
- فصائل ذات توجه متطرف: مثل “جيش الإسلام”، “جيش الأحرار”، و”جيش العزة”.
- مقاتلون أجانب: من الإيغور والشيشان والأوزبك.
كما شارك في عمليات القتل مدنيون متشددون مدفوعين بدافع الانتقام من مجازر سابقة يُزعم ارتكابها من قبل قوات الأسد.
تورط السلطة الانتقالية والرد الدولي المحدود
التحقيق كشف عن معلومة بالغة الخطورة، وهي أن العديد من الوحدات المتورطة في هذه الأحداث أصبحت لاحقًا جزءًا من الأجهزة الرسمية للدولة الانتقالية. أظهر التقرير أن الناطق باسم وزارة الدفاع المؤقتة، حسن عبد الغني، المعروف باسم “أبو عهد الحموي”، كان يدير غرف العمليات الميدانية وينسق تحركات القوات، وهو ما اعتبره معدّو التقرير دليلًا على تورط رسمي مباشر.
على الرغم من تعهد الرئيس أحمد الشرع علنًا بفتح تحقيق، لم يتم الإعلان عن أي نتائج رسمية حتى تاريخ نشر التقرير، ولم يُحاسب أي من المسؤولين عن هذه الأحداث.
أما على الصعيد الدولي، فكان رد الفعل محدودًا. فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات رمزية على بعض الفصائل المدعومة من أنقرة، لكن الولايات المتحدة لم تُصدر أي موقف رسمي أو عقوبات مرتبطة بالحادثة. يُفسر بعض المراقبين هذا الصمت الدولي بالحسابات الإقليمية المعقدة والخشية من انهيار الحكومة الانتقالية، خاصة في ظل الانقسام الحاد داخل المجتمع السوري واستمرار تهديد الجماعات المتطرفة.
تداعيات إنسانية وسياسية وتحديات للمستقبل
خلّفت هذه الأحداث آثارًا إنسانية كارثية، حيث نزح آلاف المدنيين العلويين من قراهم إلى مناطق أكثر أمانًا، وتحديدًا مخيمات مؤقتة حول قاعدة حميميم الجوية. تحولت قرى بأكملها إلى مناطق مهجورة، ويعيش من تبقى من سكانها في حالة خوف دائم.
سياسيًا، أدت ترقية المتورطين في هذه الأحداث إلى مناصب رسمية داخل المؤسسات الجديدة إلى إضعاف الثقة الشعبية في مسار العدالة الانتقالية. وهذا يثير تساؤلات جوهرية حول مدى جدية مشروع الدولة ما بعد الأسد في إعادة بناء الثقة بين مكونات المجتمع السوري.
ما توصل إليه التحقيق، الذي استند إلى مقابلات مع أكثر من 200 من ذوي الضحايا و40 من المقاتلين والمسؤولين، بالإضافة إلى تحليل مقاطع فيديو وبيانات حكومية، يضع القيادة السورية الانتقالية أمام اختبار مصيري. تُشير النتائج إلى أن هذه الأحداث لم تكن عشوائية، بل كانت جريمة ممنهجة ذات تسلسل قيادي واضح. هذا يضع البلاد أمام معضلة عميقة: كيف يمكن إرساء مسار عدالة حقيقية في ظل استمرار الإفلات من العقاب؟ وكيف يمكن تحقيق مصالحة وطنية شاملة في بلد لم يلتئم بعد من جراح الطائفية والعنف المنظم؟
إقرأ أيضاً: خطف النساء في الساحل السوري: فدية، تهديد وطائفية في فراغ أمني
إقرأ أيضاً: رويترز: نساء علويات يُختطفن من شوارع سوريا