نعيش بين “ضفتين”: نساء سوريات في مواجهة واقع ما بعد السقوط

بين هشاشة الأمن، وتبدّل السلطة، ومحاولات بناء الذات… كيف تصوغ السوريات يومياتهن وسط وطن يُعاد رسمه من جديد؟

واقع جديد… لا يشبه البدايات

منذ أن سقطت ملامح النظام القديم في سوريا، تبدّلت الحياة بشكل عميق لم يتغيّر شكل الشوارع والأعلام والأسماء فحسب، بل تغيّر الإيقاع اليومي، ونشأت مفردات جديدة تصف واقعا رماديا تعيش فيه النساء بين الأمل والحذر.

في زاوية هادئة من مقهى على أطراف دمشق، كانت “هيا” (اسم مستعار) تقلّب الشاي في كوبها بلا استعجال تعمل في صالون تجميل، وتعيش وحدها بعد أن هاجر شقيقاها. تقول:

“مو كل شي صار واضح بعد السقوط. نحنا عايشين بمرحلة لسا عم تتشكل بيقولوا بداية جديدة، بس نحنا ­– كنساء – ما بنعرف إذا في إلنا مكان فيها.”

لا قانون… لكن القواعد موجودة

في معظم المناطق السورية اليوم، تختلف مظاهر السلطة،، تتشابه جميعها في أمر واحد: غياب مرجعية قانونية موحدة تحمي النساء السوريات أو تصون حقوقهن.

في بعض المناطق تُطبّق الأعراف العشائرية، وفي غيرها تُستند الأحكام إلى تفسيرات دينية. أحيانا، لا يُحتكم إلا إلى مزاج من يملك السلاح أو النفوذ.

تشرح “هند”، وهي معلمة في إحدى البلدات: “زمان كنا نعرف على مين نشتكي، حتى لو ما دايمًا ناخد حقنا. اليوم؟ بنسأل بعض، أو بنلجأ للي ماسك المنطقة. أوقات بيتجاوبوا، وأوقات لأ. بس الفراغ كبير، ولازم نعبّيه بأي طريقة.”

شائعات الخوف… وحقيقة القلق

كثير من النساء يعشن يوميا تحت ظل القلق، سواء بسبب أحداث واقعية كانتشار حالات الخطف أو مجرد شائعات، أو مضايقات، أو ابتزازات، خصوصا في المناطق غير المستقرة أمنيا، هذه القصص تتكرر، ولكنها تبقى في كثير من الأحيان دون تحقيقات واضحة.

تقول “مروة”، 27 عاما: “سمعنا عن بنات انخطفوا، بس ما بنعرف إذا كل القصص صحيحة المشكلة إنو لما ما في جهة رسمية، الشائعة بتصير حقيقة بالخوف، حتى لو ما تأكدت نحنا منخاف نوصي بنتنا تروح لحالها، مش لأنو أكيد في خطر، بس لأنو ما في ضمان.”

وتضيف “مروة” “بالمقابل، في مناطق صارت أكثر أمان من قبل في شوارع صارت بنورها بس دايما الخوف بيبقى أقوى من أي تحسّن، إذا ما في جهة تحمينا رسميا.

سلطة اجتماعية تُعاد صياغتها

القلق لا ينبع فقط من غياب الأمن، بل من محاولة كل جهة فرض “نسختها” من صورة المرأة،

فلم تعد النساء تخاف فقط من الرجال، بل من النظام الاجتماعي الجديد الذي فُرض عليهن دون أن يُطلب رأيهن.

“سلاف”، موظفة سابقة، تصف الأمر بوضوح:”كل جهة بتحاول تفرض نسختها عن المرأة: اللباس، الحركة، الكلام، حتى التعبير عن الحزن أو الغضب صار محسوب. والنتيجة؟ النساء عم ينكسروا بصمت.” هذه كلمات.

خطوات صامتة… لكنها ثابتة

وسط كل هذا الضجيج، تبرز حكايات نساء قررن الاستمرار من مشاريع صغيرة إلى مبادرات تعليمية، بدأت تنمو مساحات تقودها النساء.

“ليلى”، مدرّسة تنسّق ورشات للفتيات اللواتي انقطعن عن التعليم، تقول:

“بنعرف إنو الطريق طويل، بس كمان بنشوف إنو في جيل صغير عم يكبر وما بده يرجع للوراء البنات بهالعمر عم يسألوا، يناقشوا، يبادروا وهالشي بيعني إنو في تغيير، حتى لو بطيء.”

بين الحذر…والأمل

لا يمكن اختزال واقع النساء السوريات بعد السقوط في صورة واحدة هو ليس خرابا مطلقا، ولا انبعاثا واضحا بل هو تفاصيل يومية، ومحاولات مقاومة ناعمة، تتخذ شكل الاستمرار.

 

تعود “هيا” لتتأمل الشارع من خلف الزجاج وتقول: “لسا في شي اسمه حياة يمكن مو مثل ما تخيلناها، بس الحياة بتضل موجودة لما الناس تحكي، تتعلم، وتساعد غيرها نحنا ما أخدنا مكاننا بعد، بس ما رح نوقف نحاول.”

تمكين دون ضجيج

في مشهد يغيب عنه التنظيم والدعم الدولي أو الخطط الاستراتيجية ، تتشكل مظاهر تمكين غير رسمي تقول “رانيا”، ناشطة مجتمعية: “حتى لو ما سميناه تمكين، هو موجود لما بنت تتعلم شي، أو أم تفتح مشروع، أو نساء يجتمعوا بدون إذن… هذا تمكين.”

تتابع: “أحياناً المقاومة بتكون بتفصيلة بسيطة: صوت عالي، رأي مكتوب، فكرة جديدة نحنا بزمن التفاصيل، وكل تفصيلة هي خطوة للأمام.”

ختاماً يعشن النساء السوريات بين “ضفتين”: ضفة الماضي التي لم تنته تماما، وضفة المستقبل التي لم تتشكل بعد في المنتصف، يبنين حياة يومية بأدوات بسيطة، وإرادة لا يمكن تجاهلها في ظل الغياب، يصنعن الحضور، وفي ظل الخوف، يزرعن بذور الأمل.

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام

تمكين المرأةـبين ضفتيننساء سوريات
Comments (0)
Add Comment