مع اقتراب موعد أول انتخابات برلمانية في سوريا ما بعد سقوط النظام السابق، تتصاعد التساؤلات حول الإطار القانوني والدستوري الذي ينظّم هذه المحطة المفصلية. وبينما تصف السلطات الانتقالية الانتخابات بأنها “نقطة انطلاق نحو الدولة الحديثة”، يرى قانونيون وحقوقيون أن المشهد ما زال مضطربًا وغامضًا من ناحية الضمانات القانونية والنزاهة الإجرائية.
المرسوم 66 والإعلان الدستوري.. تأويلات متضاربة
أُنشئت اللجنة العليا للانتخابات بموجب المرسوم رقم 66 لعام 2025، الذي يستند بدوره إلى المادة 24 من الإعلان الدستوري. وبدأت اللجنة عملها فعليًا في 18 حزيران الجاري، معلنة أنها بصدد إعداد مسودة “نظام انتخابي مؤقت” يضمن تمثيلًا غير إقصائي، ويوازن بين الكفاءة والعدالة المجتمعية، وفق ما صرّح به رئيس اللجنة، محمد طه الأحمد.
لكن المحامي والمستشار القانوني، بشار الحريري، أشار في حديثه لـ”الحل نت” إلى إشكالية غياب العنصر الحقوقي في تركيبة اللجنة، مؤكدًا أن وجود محاميين ضمن أعضائها كان سيعزز من التوازن بين البُعدين القانوني والسياسي، وهو ما ينعكس على نزاهة إدارة العملية الانتخابية.
الترشح في “برلمان انتقالي”: مثقف أم عين؟
ينص المرسوم 66 على أن أعضاء مجلس الشعب ينقسمون إلى فئتين: “الأعيان” و”المثقفين”، لكن المرسوم لم يوضح معايير أو آليات تصنيف المرشحين ضمن هاتين الفئتين، ولا كيف ستضمن اللجان الناخبة هذا التوازن خلال عملية التصويت، خاصة مع تحديد عدد المقاعد مسبقًا لكل محافظة.
وفيما يرى البعض أن شرط العمر الأدنى للترشح (25 عامًا) إيجابي لإشراك الشباب، تبقى فئة “الأعيان” غامضة التعريف، ما يثير مخاوف من استخدام هذا التصنيف لأغراض الإقصاء أو إعادة إنتاج الوجوه التقليدية.
الدوائر الانتخابية.. غياب قانون التقسيم يُربك العدالة التمثيلية
من الثغرات الجوهرية التي لم يُعالَجها لا المرسوم 66 ولا الإعلان الدستوري، مسألة تقسيم الدوائر الانتخابية. فلم يُحدّد ما إذا كانت كل محافظة تُعد دائرة واحدة، أو إذا كان هناك تقسيم داخلي إلى دوائر فرعية، وهو ما قد يؤدي إلى غبن تمثيلي واضح، خصوصًا في المحافظات الكبيرة كحلب أو ريف دمشق.
يرى الحريري أن المخرج سيكون عبر الثلث المعيّن من قبل رئيس الجمهورية، حيث يُتوقّع أن يُراعى فيه تمثيل الكفاءات والفئات المهمّشة، لكنه يعترف بأن هذا الخيار لا يُعالج جذر الإشكال، بل يلتف حوله.
آليات الطعن.. غائبة حتى إشعار آخر
رغم أهمية الطعن كضمانة قانونية لأي عملية انتخابية، إلا أن الإطار القانوني الحالي لم يحدّد صراحة آلية للطعن بنتائج الانتخابات. وبحسب الحريري، فإن اللجنة العليا وعدت بتشكيل لجنة قضائية بالتنسيق مع وزارة العدل للنظر في الطعون، لكن غياب نص صريح في المرسوم أو الإعلان الدستوري يترك هذا الوعد في خانة “النوايا الحسنة”.
انتخابات أم تعيين؟ خلاف حول جدوى العملية
الجدل لا يقتصر على المسائل القانونية فقط، بل يتعداها إلى الطعن في جوهر العملية. إذ يرى المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس أن ما يجري ليس سوى “عملية تعيين مقنّعة”، وهو ما يوافقه عليه المستشار بشار الحريري، الذي قال صراحة إنه يؤيد التعيين المؤقت في المرحلة الانتقالية، معتبرًا أن هذه المرحلة “تتطلب الحزم وسرعة الإصلاح، لا انتخابات شكلية”.
خاتمة: قواعد غائبة لمرحلة مفصلية
يتّضح من المشهد العام أن الانتخابات التشريعية المقبلة في سوريا لا تزال محاطة بثغرات قانونية وهيكلية تجعل من ضمان نزاهتها تحديًا حقيقيًا. فلا قانون انتخاب واضح، ولا تقسيم دوائر محكم، ولا آليات للطعن، ما يجعل العملية عرضة للتسييس أو إعادة إنتاج المحاصصة القديمة.
وبينما تسعى اللجنة العليا لإظهار مرونة عبر لقاءات تشاورية في المحافظات، يبقى غياب نصوص قانونية حاكمة هو الخطر الأكبر، إذ قد يُفرغ هذه الخطوة الانتقالية من مضمونها الديمقراطي، ويحيلها إلى مسرحية شرعية جديدة لا تختلف كثيرًا عمّا كان عليه الحال في العقود الماضية.
اقرأ ايضاً: مجلس الشعب.. تفاصيل الترشح، الشروط، وموعد أول جلسة