داما بوست- منهل إبراهيم| لم يطرأ أي انخفاض على سعر مادة البطاطا التي تحظى بحيز كبير من الاستهلاك في حياة المواطن وتوصف بأنها طعام الفقراء، أو “لحمة الفقير” لأنها الغذاء الوحيد والرئيسي لأغلب شعوب البلدان النامية، ولكن صفتها لم تحل دون غزوها موائد الأغنياء في جميع أنحاء العالم، وتكون حاضرة ضمن وجباتهم اليومية.
وتحتل البطاطا مكانة واسعة في جل المطابخ، وتبقى وجبة مفضلة خاصة للأطفال، ونظرا لـ “رخص ثمنها” – طبعاً نحن نتكلم عن الماضي- يقبل عليها فقراء سوريا بشكل كبير، وتستر موائدهم المتواضعة إلى حد كبيرة، وتسد احتياجات العديد من الأسر ذات العدد الكبير من الأفراد.
كيلو البطاطا اليوم في الأسواق السورية يتجاوز عتبة 8 آلاف ليرة، وصحن البطاطا المقلي بات يكلف أكثر من 15 ألف ليرة، حسب المحلات، وتبعاً للوصفة.
“البطاطا هي لحم الفقير، لا يُعقل أن نشتري الكيلو بـ 8000 آلاف أو تسعة آلاف ليرة”، تقول سيدة تشتري “لحمتها المعفرة بالتراب” في أحد محلات الخضار، ليجيب عليها البائع بالقول: “لا تستعجبي، واليوم أحسن من بكرى، سيصل كيلو البطاطا إلى 10000 ليرة”.
هذا الحوار هو عينة عمّا يعيشه المواطن في هذه الأيام بعد ارتفاع سعر البطاطا إلى أرقام لم يتوقعها المواطن أبداً، فالبطاطا التي تعتبر أكل الفقراء وأرخص أنواع المزروعات التي تشبع البطون بأرخص الأثمان، وتتحوّل إلى سلع مرتفعة الأسعار لكثير من الأشخاص، لكن ما سبب ارتفاع سعرها الآن بالتحديد، وهل من الممكن أن يرتفع أكثر؟
وبغض النظر عن الأسباب أو حسابات الربح والخسارة لدى المزارع، والسمسار والتاجر، يبقى المواطن صاحب الدخل المحدود هو الحلقة الأضعف، ولا مبرر لديه أن يصل كيلو البطاطا لـ 8000 ليرة، أو حتى 7000 آلاف ليرة، فراتبه ضئيل ومصاريف الحياة كثيرة ومتنوعة.
ومع الدعم الحقيقي للفلاح وكسر حلقة السمسرة وعقلنة الاستيراد والتصدير، يمكن ضبط إيقاع الأسعار لإنتاج رخيص الثمن يمكن أن يستفيد منه المواطن.
وإذا لم يتم دعم المزارع دعم حقيقي بالبذور والأسمدة والمواد الأولية للزراعة، كيف سيأكل المواطن؟ لأنّه بحال خسر المزارع، فلن يزرع مجدداً، ولن يكون قادراً على بيع كيلو البطاطا بسعر معقول ويناسب المستهلك.
ويقول مختصون في الشأن الزراعي لـ “داما بوست” الخطة الحالية في هذا الإطار أن يستمر الدعم على المدخلات الزراعية (المواد الأولية) تحديداً، لأنّه إذا رفعنا الدعم، سيصل كيلو البطاطا في السنة المقبلة إلى 10000 ليرة، والتكلفة ستكون مرتفعة على المزارع”.
لاشك أن تخزين البطاطا على سعرها من قبل التجار ومنافذ السورية للتجارة وإعادة طرحها بنفس السعر وربما أعلى سيزيد المشكلة تعقيداً، ويجب أن تكون هنالك حلول ناجعة لخفض السعر وليس التخزين، فعندما تخزن السلعة على سعر مرتفع فأنت أمام حالة غير طبيعية في حركة البيع والشراء.
والنظرية الزراعية تقول: إذا لم يخسر المزارع، يزيد زراعته في الموسم أو السنة المقبلة ما يؤدي إلى انخفاض في سعر البطاطا ويستفيد بذلك المستهلك، والربح أكثر حالياً يكسبه التاجر، ومن المؤكّد أنّ هناك مزارعين يقلعون الدرنات ويستفيدون من بيعها، حتى بـ 2000 أو بـ 4 آلاف ليرة للكيلو، وليكن البيع في مجتمعاتهم المحلية وللسوق بدون سمسرة، هم بالطبع مستفيدون، وإذا ربح المزارع، سيُبقي هذه الأرباح ليزرع بها الموسم المقبل، وإذا ما كان مرتاحاً يزرع 200 دنم من البطاطا بدلاً من 100 وبذلك يزيد الإنتاج فتنخفض الأسعار.
ويعود سبب ارتفاع سعر البطاطا، وفق مزارعيها، إلى السياسة الخاطئة في إدارة ملف البطاطا، فلم يعد باستطاعة المزارع شراء مستلزمات الزراعة ليزرع وينتج، وهو ما زال يزرع من رأسمال السنة الماضية ولم يصل للدعم بعد، وقد عجز هذه السنة عن تسديد ثمن المستلزمات.
وتقول الأخبار إن فرع ريف دمشق في المؤسسة السورية للتجارة يستعد لتخزين كميات من البطاطا بما يتراوح حوالي 300 إلى 400 طن وتخزينها في وحدات التبريد التابعة للمؤسسة، ليعاد طرحها في صالاتها بعد انتهاء موسمها من خلال “التدخل الإيجابي” الذي تعتمده المؤسسة حفاظاً على توفر المادة بسعر مناسب حسب تصريح مدير السورية للتجارة بريف دمشق فرج سيف لوسائل إعلام محلية.
سيف أشار إلى استجرار كميات من البطاطا إسبوعياً حوالي 10 أطنان للطرح المباشر في الصالات، و يباع الكيلو بسعر 8 آلاف ليرة من الصنف نخب أول حيث يتم استجرارها حالياً من منطقة حلفايا في حماة وستستجر من ريف دمشق خلال الأسبوعين القادمين بعد أن أصبح الإنتاج فيها جاهزاً للقلع.
وهنا يجب الإشارة إلى أن تخزين السورية للتجارة للبطاطا على أسعارها الحالية سيبقيها في دائرة الرفع، بالأسعار وربما فيما بعد الرفع عن موائد المواطن.
وكانت البطاطا حاسمة في الأمن الغذائي لأوروبا في القرن العشرين، وخاصة بالنسبة لألمانيا حيث أبقت البلاد على قيد الحياة خلال الحربين العالميتين.
وتعد البلدان النامية وسوريا منهم طبعاً من أكبر منتجي ومستوردي البطاطا في العالم، ويتصدر المحصول في تلك البلدان المركز الرابع من حيث الأهمية الغذائية بعد القمح والأرز والذرة.
وتتبع البطاطا عائلة المنتوجات الباذنجانية التي تضم نحو 90 جنساً، وحوالي 2000 نوع، وأدى غناها بالكاربوهيدرات، إلى جذب شريحة هامة من شعوب الدول الغربية، فأصبحت تزرع على نطاق واسع في ألمانيا وروسيا وبولندا.
وتتنوع استعمالاتها من خضر للطهي، إلى عدة أغراض غذائية أخرى، كما تقدم علفا لبعض الحيوانات، أو يعاد استخدامها على شكل درنات لزراعة المحصول في المواسم المقبلة.
وساهم تطور صناعات الأغذية في القرن العشرين إلى تحول الاستهلاك العالمي عن البطاطا الطازجة إلى منتجات مصنعة، وأدرجت ضمن مجموعات مذهلة من الوصفات، المختلفة حسب اختلاف الثقافات والبلدان.