السيناريو يعيد ذاته.. “الغرب” يكرر سيناريوهاته في سورية

داما بوست | الهام عبيد

في الوقت الذي صمّ فيه الغرب آذانه عن مطالب الشعب في سورية برفع الحصار وإزالة العقوبات التي فرضها عليه قسراً، فتحها اليوم على أصوات تطربه، فالفوضى وزعزعة الأمن والاستقرار والتقسيم كمرحلة تلي الدمار والتخريب، هي نهج يتبعه ويتغذى عليه على مدار سنين طوال.

وما إن أعطت الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر لمناصرة الاحتجاجات، عبر دعوة مندوبتها لدى مجلس الأمن لإقامة تغييرات سياسية، والالتزام بالقرار 2254، وتعزيز المساءلة لما وصفته بــ “انتهاكات النظام”، حتى غردت فرنسا وألمانيا في ذات السرب، وكأنهما يستطيعان أساساً فعل عكس ذلك.

ودعمت المبعوثة الفرنسية إلى سورية أي مظاهرة أو احتجاج، حتى لو لم يكن لأهداف تحسين الأوضاع المعيشية، فيما أشاد المبعوث الألماني إلى سورية “ستيفان شنيك” بـ “شجاعة” محتجي السويداء ودرعا، مطالباً بتلبية تطلعاتهم المشروعة على حد قوله.

لم يقف الأمر هنا وحسب، بل إن الاحتجاجات لاقت دعم النواب الأميركيين، والذين بدأوا اللعب عليها من خلال تصريحاتهم، منادين بضرورة التخلص من الحكم القائم الحالي، سيما رئيس اللجنة المختصّة بشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى في الكونغرس الأميركي “جو ويلسون” والذي دعا إلى مزيد منها حتى الوصول إلى “جمعة محاسبة الأسد” على حد قوله.

ولا يخفى على أحد أن مسار التطبيع العربي السوري أزعج الغرب، على اعتبار أنه ولو سار كما كان مرسوماً له، لحقق التفافاً على العقوبات الأمريكية وساهم بتحسين الواقع الاقتصادي، حيث قال “ويلسون” مقراً بعدم رغبة واشنطن بأي تقارب بين العرب والحكومة السورية.. “إنّ السّاعين للتطبيع مع الأسد ولعقد صفقات معه، يتعاملون مع الموت بعينه” وفقاً لمزاعمه.

ولم تقف الأمور عند رفض التطبيع العربي السوري، بل ظهرت ردود الأفعال السلبية تجاه ما قيل عن محاولات لإحداث تقارب بين أنقرة ودمشق أيضاً، كونه يمس مصالح واشنطن في سورية،حيث  سيقوّض من قدرات شركائها في “قسد” وسيؤثر في نهاية المطاف على الذريعة التي وقفت وراءها الولايات المتحدة لشرعنة وجودها وهو محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، وبالتالي فشل مشروعها بربط التنف بالبوكمال، وقطع الطريق بين إيران وسورية عن طريق العراق.

وحاولت الولايات المتحدة الأمريكية وضع العصي في العجلات لعرقلته أي التقارب التركي السوري، عبر أدوات دبلوماسية قسرية لم تطبقها إلى الآن، كإلغاء صفقة بيع طائرات “إف-16” إلى تركيا، وفرض عقوبات عليها وفقاً لـ “قيصر”، فضلاً عن استخدام ملف قضية بنك الخلق التركي، وهو ما يفسر ربما تأجيل تركيا لتهديداتها بضرب “قسد” برياً.

وعلى ذكر “قسد” فإن واشنطن لديها مخاوف أخرى تتمثل في احتمالية حصول محادثات جادة بين “قسد” والدولة السورية، والتي ستسفر عن خروج حقول النفط من سيطرتها، وبالتالي خسارة ثروات طائلة من مليارات الدولارات تكتسبها من وراء سرقة النفط السوري.

وتدفع هذه العوامل بواشنطن لدعم حالة الفوضى التي تسبب بها بعض السوريين، ممن خرجوا للمطالبة بأدنى مقومات الحياة، بعد أن لحق بركبهم من يريد تنفيذ أجندات خارجية، حيث رُفع علم “الانتداب” والشعارات الطائفية، ولافتات تطالب بتنفيذ قرار 2254، شرطها الأساسي للحل السياسي في سورية، علماً أنه ولو فرضنا تطبيقه من قبل سورية، فستبحث واشنطن عن ذرائع أخرى لتبقى محتلة للمناطق السورية، وتفرض مزيداً من العقوبات الاقتصادية، والتي تعتبر السبب الأكبر فيما وصل إليه الحال في سورية.

وبات القاصي والداني يعلم أن العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، ليست بمعزل عن المدنيين، ولو أن فارضها ينوي فعلاً “حماية المدنيين” بحسب ادعاءاته، فعلى الأقل عليه أن يرفع العقوبات عن القطاعات الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة، كالتحويلات المالية والقطاعات الحيوية مثل الطاقة والاستيراد وإعادة الإعمار.

وهنا يطرح سؤال نفسه، عن أي “كرامة” تتحدث واشنطن وحلفائها في تصريحاتها الأخيرة، وهل يمكن أن يحيا الناس بكرامة في ظل حصار وعقوبات بحجة “حماية المدنيين” أم بوجود قوات احتلال ظاهرها محاربة الإرهاب وباطنها مشاريع تتمثل بسرقة النفط، والتقسيم، و إيجاد حكم ذاتي يفصل سورية عن شرقها وجنوبها، فضلاً عن خروج مساحات واسعة من سيطرة الدولة السورية، بعد ولادة تنظيمات جديدة تحمل أسماء مختلفة وتجتمع منذ بداية عام 2011 وحتى الآن لخدمة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وهو أمر لن يقبله السوريين بعد كل ما خسروه مادياً ونفسياً واجتماعياً، وكان ثمنه عشرات الآلاف من الشهداء.

ألمانيااحتجاجاتالتطبيع مع سوريةالتقارب السوري التركيالولايات المتحدة الأمريكيةسرقة النفط السوريسوريةفرنسا
Comments (0)
Add Comment