في خطوة غير مسبوقة، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) عن مشاركتها في مهمة لتقييم إمكانية ربط محطة مياه “علوك” في ريف مدينة رأس العين شمالي سوريا، بشبكة الكهرباء التركية. تهدف هذه المبادرة إلى إعادة تأمين المياه النظيفة لمئات الآلاف من السكان، غالبيتهم من النساء والأطفال، في محافظة الحسكة.
تعاون دولي ومحلي لإعادة تشغيل محطة علوك
وصفت اليونيسف هذه المهمة بأنها الأولى من نوعها التي تُنفذ بالتعاون بين عدة أطراف محلية ودولية، وتشمل العمل عبر خطوط النزاع وحدود الدول، من سوريا إلى تركيا، بدعم متبادل من جميع الجهات المعنية، بما فيها الحكومة السورية الجديدة.
وأكدت اليونيسف عبر حساباتها الرسمية على منصات التواصل الاجتماعي، ومنها “إكس”، أن “وزارة الطاقة السورية” لعبت دورًا محوريًا في تحويل هذه الرؤية إلى واقع. واعتبرت المنظمة أن هذا التعاون يعكس ما يمكن إنجازه عندما تكون القيم الإنسانية المشتركة حافزًا للاتفاق، ويصبح الماء أداة للكرامة والوحدة والأمل.
بالتوازي، أصدرت “اللجنة الدولية للصليب الأحمر في سوريا” بيانًا أكدت فيه أن فرقًا منها ومن اليونيسف قامت يوم أمس الثلاثاء بزيارة تقييمية ميدانية إلى محطة “علوك” للمياه. كانت المحطة خارج الخدمة الكاملة منذ عام 2019، مما أدى إلى أزمة مستمرة في تأمين مياه الشرب لما يقارب 500 ألف إلى 1.5 مليون نسمة في محافظة الحسكة وأريافها.
وأشار البيان إلى أن إعادة تشغيل المحطة بشكل مستدام “سيستغرق وقتًا”، لكنه شدد على التزام الطرفين بإعادة تشغيل هذا “الشريان الحيوي”، الذي يمثل مصدر المياه الرئيسي لسكان المنطقة، فضلاً عن ضمان الاستقرار للمجتمعات المتأثرة بالنزاع. وشملت الزيارة تقييمًا فنيًا لإمدادات الكهرباء في المحطة، بالإضافة إلى وضع خطط لحلول قصيرة وطويلة الأمد، بالتنسيق مع السلطات المحلية والشركاء.
ودخلت قافلة مؤلفة من خمس سيارات تابعة للأمم المتحدة و”الهلال الأحمر السوري”، أمس الثلاثاء، إلى معبر “شيرك” بريف الدرباسية الغربي، الفاصل بين سوريا وتركيا، حيث زارت محطة “علوك” شمالي البلاد.
أزمة عطش طال أمدها في الحسكة
منذ أواخر عام 2019، تسيطر تركيا وفصائل “الجيش الوطني السوري” الموالية لها على محطة “علوك”، مما أدى إلى حرمان سكان الحسكة وريفها من المصدر الرئيسي لمياه الشرب.
تعيش معظم أحياء مدينة الحسكة على وقع العطش، حيث بات تأمين المياه يعتمد على “الصهاريج” الخاصة التي تبيع المياه بأسعار مرتفعة تفوق قدرة الكثير من العائلات، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
عماد محمد، من سكان الحسكة، قال في وقت سابق لـ”الحل نت” إن المدينة تشهد منذ عام 2019 أزمة خانقة في الحصول على مياه صالحة للشرب، مع انعدام مصادر المياه إلا عبر “صهاريج” جوالة. وأضاف أن هذه الصهاريج باتت أزمة بحد ذاتها، حيث يضطر الناس للانتظار لأسبوع، وارتفع سعر تعبئة 5 براميل إلى أكثر من 40 ألف ليرة سورية.
بعد سقوط نظام بشار الأسد، توصلت الحكومة السورية الانتقالية وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” إلى اتفاق. يأمل سكان محافظة الحسكة أن يتم العمل على حل مشكلة المياه وإعادة الضخ من محطة “علوك”، مما ينهي خوف الأهالي من الإصابة بأمراض معوية نتيجة تعبئة الصهاريج من المناهل المملوكة لأصحاب الأراضي، دون رقابة صحية ومتابعة حكومية.
ورغم أن إعادة تشغيل محطة “علوك” الحيوية ما تزال بحاجة إلى جهود كبيرة وتنسيق متعدد الأطراف، إلا أن هذه الخطوة تعد بصيص أمل لسكان الحسكة وريفها، الذين ينتظرون منذ سنوات حقهم الطبيعي والأساسي في الحصول على مياه نظيفة وآمنة. تعتبر هذه الخطوة الأممية بمثابة قارب نجاة من معاناة كبيرة، سواء على المستوى النفسي أو الجسدي أو المادي. ويبقى الأمل أن تشكل هذه المبادرة الأممية بداية حقيقية لمسار من الحلول المستدامة، يعيد الكرامة والحياة إلى واحدة من أكثر المناطق تهميشًا في سوريا.