بعد مرور سبع سنوات على تهجير سكان بلدة الفوعة في ريف إدلب، ضمن “اتفاق المدن الأربع” الذي شمل مضايا والزبداني وكفريا، تحولت البلدة المهجورة إلى محطة إسكان مؤقت للنازحين من مناطق ريف دمشق وحماة وجنوب إدلب، نتيجة موجات التصعيد العسكري بين 2018 و2024.
ومع انحسار المعارك، بدأ كثيرون من هؤلاء النازحين بمغادرتها، ما أدى إلى إغلاق المحال التجارية وتحوّل الفوعة مجددًا إلى بلدة شبه خالية، بحسب موقع ألترا سوريا.
إقرأ أيضاً: في حلب.. الكهرباء نادرة، والأعطال مزمنة، والحلول مؤجلة
من الملاذ إلى محطة انتقال
وصل النازحون إلى الفوعة ليجدوا بيوتًا فارغة ومنهوبة، إثر عمليات “تعفيش” ونهب نفذتها مجموعات مسلحة بعد ترحيل سكانها الأصليين عام 2018.
أعاد النازحون تأهيلها على نفقتهم الخاصة، لكن مع قرار العودة إلى مناطقهم الأصلية، حتى ولو كانت مدمّرة، عادوا لتفكيك ما أنشؤوه، ونقلوا كل ما يمكن حمله، من تجهيزات منزلية إلى شبابيك وبوابات.
وينقل الموقع عن أبو رامي، وهو نازح من ريف دمشق، قوله: بينما يفكك باب منزله الحديدي: “جينا على خراب، وهلأ عم نتركه متل ما عمرناه”. ويضيف: “أخذنا معنا كل شي، راجعين نركبهن ببيوتنا المدمّرة”.
إقرأ أيضاً: حلب .. عائلات السكن الشبابي ممنوعة من العودة بعد أكثر من عقد من النزوح القسري
سوق منازل بلا ملكية
في ظل غياب أي جهة رسمية تشرف على التملّك أو التنظيم، نشأت في الفوعة سوق غير رسمية لبيع البيوت. بعض السكان يبيعون المنازل التي أقاموا فيها بأسعار تتراوح بين 200 و1500 دولار، بحسب التجهيزات، رغم عدم امتلاكهم أي سندات ملكية. تُعقد الصفقات “بالاتفاق الرضائي”، بعيدًا عن أي إشراف قانوني أو عقود رسمية، وغالبًا بهدف تجنب عناء تفكيك المنزل ونقله.
أبو طه، نازح من حرستا، يروي: “الناس اللي عرفناهم طلعوا، حسّيت حالي غريب. بعت البيت لزلمة من ريف حماة بـ650 دولار بدل ما فكّه”.
ملاذ للفقراء والنازحين الجدد
في المقابل، بدأت عائلات نازحة من مخيمات الشمال أو قرى نائية بالتوجه إلى الفوعة بحثًا عن سكن منخفض التكلفة. ترى أم فؤاد، في حديثها لموقع ألترا سوريا نازحة من خان شيخون، أن شراء منزل بـ500 دولار منحها الاستقرار: “صرنا ببيت بدل الخيمة، والولاد رجعوا عالمدرسة، وفي جمعيات بتساعد”.
كذلك، ازدادت أعداد المهاجرين غير السوريين من أصول تركستانية وأوزبكية الذين اتجهوا إلى الفوعة وباتوا في الآونة الأخيرة يشكّلون نسبة متزايدة من سكان البلدة بعد انسحاب الفصائل من مناطق ريف حماة واللاذقية، فاشترى بعضهم المنازل بأسعار مرتفعة نسبيًا، رغم غياب أي صكوك ملكية.
إقرأ أيضاً: انطلاق مشروع لترميم 600 منزل في ريف اللاذقية لتسهيل عودة النازحين
إدارة غائبة ومصير معلّق
في السنوات الأولى بعد سيطرة الفصائل على بلدة الفوعة عقب تهجير سكانها عام 2018، حاولت الفصائل إنشاء مكاتب إسكان لتنظيم التوزيع، وكانت تمنع البيع أو الإخلاء دون موافقة. أما اليوم، فكل شيء يتم بطريقة عشوائية: لا رقابة، لا عقود، ولا جهة رسمية تضبط حركة البيع أو تنظيم التملّك.
ورغم الدعوات المتكررة من بعض الجهات المحلية أو الحكومية لـ”عودة السكان الأصليين”، لا توجد أي خطة عملية أو جدول زمني لذلك. في المقابل، يتوسّع نفوذ السكان الجدد، من نازحين ومهاجرين، مما يعمّق غموض مستقبل البلدة.
بلدة في حالة عبور
الفوعة اليوم ليست بلدة مأهولة بالمعنى المستقر، بل نقطة عبور. يتحرّك الناس عبرها، يرممون بيوتها، يبيعونها، أو يغادرونها محمّلين بأبوابها ونوافذها. ولا أحد يعلم من سيحصل في النهاية على حق السكن أو الملكية فيها.
الفوعة، مثل سوريا، ما تزال عالقة بين ماضٍ مهدّم ومستقبل لم تُرسَم ملامحه بعد.
إقرأ أيضاً: مسؤول سوري: 40% من الكهرباء تهدر بسبب السرقات والتخريب