شهدت سوريا منذ تولي الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الحكم في كانون الأول 2024 تصاعدًا حادًا في أعمال العنف الطائفي، أودت بحياة ما لا يقل عن 2700 شخص خلال سبعة أشهر، وفق تقارير صادرة عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان والمرصد السوري ومنظمات دولية أخرى.
ورغم تعهد الشرع ببناء مرحلة جديدة من التوافق الوطني بعد سقوط بنظام بشار الأسد، إلا أن الانقسامات المجتمعية العميقة طفت مجددًا إلى السطح، وانزلقت البلاد نحو موجات متتالية من العنف الطائفي.
الساحل السوري: شرارة العنف
انطلقت الشرارة الأولى في آذار 2025، عندما تعرضت قرى ذات غالبية علوية في الساحل السوري لهجمات دامية أسفرت عن مقتل ما بين 1084 و1600 شخص، بحسب تقارير حقوقية، أشارت إلى تورط عناصر من فصائل محلية وجهات مرتبطة بالحكومة الانتقالية، إلى جانب مجموعات أجنبية.
وتحدثت شهادات محلية عن عمليات إعدام ميداني ونهب وحرق واسع، وصفتها منظمات حقوقية بأنها “انتهاكات جسيمة قد ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية”.
عجز أمني وانتقادات سياسية
أظهرت الأحداث عجز السلطة الانتقالية عن ضبط الأمن، منها مناطق كانت تعد من معاقل النظام السابق. حيث أن لجنة التحقيق التي شكلها الرئيس الشرع قالت إنها أحصت 298 مشتبهًا بارتكاب انتهاكات، مؤكدة أن العنف لم يكن منظّمًا بالكامل، بل جاء في غالبه بدوافع ثأرية.
وفي نيسان 2025، امتدت المواجهات إلى أطراف دمشق، لا سيما في بلدتي صحنايا وأشرفية صحنايا، حيث قُتل 43 مدنيًا درزيًا، وفق الشبكة السورية، وسط اتهامات متبادلة بالتورط في عمليات انتقامية.
استهداف أماكن عبادة
تصاعد القلق بين الأقليات الدينية في حزيران، عقب تفجير استهدف كنيسة أرثوذكسية قرب دمشق، ما أودى بحياة 25 مدنيًا. ورغم إعلان السلطات أن الهجوم نفذته خلايا من تنظيم داعش، إلا أن الحادث فاقم مخاوف المسيحيين.
السويداء: الانفجار الأكبر
بلغت ذروة المواجهات في محافظة السويداء منتصف تموز، مع اندلاع معارك دامية بين مقاتلين دروز ومسلحين من عشائر البدو وقوات وزارة الدفاع. ووفق أحدث التقارير الحقوقية، أسفرت المواجهات عن مقتل أكثر من 1120 شخصًا، بينهم 298 مدنيًا درزيًا، فضلًا عن سقوط قتلى من أبناء العشائر.
وأكدت تقارير إعلامية وحقوقية أن عشرات المدنيين أُعدموا ميدانيًا، بينما فر أكثر من 120 ألف شخص من المحافظة خلال أيام، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.
الوضع الإنساني والحقوقي
دخلت السويداء في حالة طوارئ إنسانية، وسط انهيار المستشفى الرئيسي ونقص حاد في الإمدادات الطبية، بحسب منظمة الصحة العالمية. كما وثقت منظمات مثل “هيومن رايتس ووتش” و”العفو الدولية” حالات تهجير قسري، وحرق ممتلكات، وانتهاكات جماعية على خلفية مذهبية.
رؤية تحليلية: مؤسسات هشة وغياب التوازن
يقول الباحث السوري الدكتور مازن عواد، إن حكومة الشرع لم تتمكن من ضبط الجماعات المسلحة أو توفير مظلة قانونية موحدة، ما أدى إلى انفلات أمني عزز الاصطفاف الطائفي.
أما السفير التركي السابق إردم أوزان، فيعتبر أن الشرع “يحكم بصلاحيات واسعة دون ضوابط كافية، ما يجعل النظام الانتقالي أقرب إلى سلطة وظيفية من كونه عقدًا اجتماعياً حقيقيًا”، مضيفًا أن “العنف الانتقائي ضد الأقليات يعزز مشاعر التهميش ويهدد مشروع الدولة الجامعة”.
خلاصة المشهد
تشير تقديرات الشبكة السورية والمرصد إلى أن عدد ضحايا النزاع الطائفي خلال الأشهر السبعة الماضية تجاوز 2700 قتيل، غالبيتهم من العلويين والدروز والبدو. ومع غياب حلول سياسية فاعلة أو إجراءات لحماية المدنيين، تتجه البلاد نحو مزيد من التفتت الاجتماعي، ما يعيد إلى الأذهان سيناريوهات الحرب الأهلية الطويلة.
إقرأ أيضاً: هل يمهّد اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء لبداية حكم ذاتي؟