الاقتصاد السوري بين فكي التضخم وتقييد السيولة: السياسة النقدية تبحث عن مخرج

داما بوست -خاص

يشهد الاقتصاد السوري تحديات متفاقمة في ظل تصاعد معدلات التضخم وتزايد القيود المفروضة على السيولة النقدية، مما يضع السياسة النقدية في مأزق يصعب تجاوزه بالوسائل التقليدية.

وفي وقتٍ يحاول فيه مصرف سوريا المركزي لملمة آثار سنواتٍ من الخلل النقدي والاقتصادي، يواجه السوريون واقعاً معيشياً بالغ القسوة، يعكسه ارتفاع غير مسبوق في الأسعار، وتراجع كبير في القدرة الشرائية، وسط سياسات مالية تحاول التوازن بين ضبط السوق ومنع انهيار الاقتصاد السوري.

 

تضخم خانق وركود ثقيل

وبعد التطورات السياسية والأمنية الأخيرة وسقوط النظام، شهد سعر صرف الدولار تراجعاً ملحوظاً أمام الليرة، ما اعتُبر للوهلة الأولى مؤشراً إيجابياً. إلا أن هذا التراجع، بحسب كثيرين، كان “انخفاضاً وهمياً”، إذ لم تنخفض أسعار السلع في السوق بالمقابل.

أصحاب المحال التجارية والباعة برروا الأمر بعدم وجود رقابة فعلية على التسعير، فيما يرى مواطنون أن التجار يرفضون تخفيض الأسعار انتظارا لموجات جديدة من التذبذب، وهو ما خلق حالة من التوتر لدى من يحتفظون بالدولار، حيث باتت قيمته الرسمية منخفضة في وقتٍ لا تزال الأسعار في السوق على حالها بل تواصل الارتفاع.

أبو سامر، تاجر مواد غذائية، يقول: “نخشى البيع على سعر صرف منخفض لأن السوق غير مستقرة، والسلع المستوردة تأتي بسعر مرتفع أصلاً. لا أحد يضحي بالمخزون تحت رحمة نشرات مؤقتة”. وهكذا، بدا للمواطن أن التحسن في سعر الصرف لم ينعكس فعلياً على حياته اليومية، بل زاد من الضبابية وفقدان الثقة.

أما أبو عبدو (اسم مستعار)، موظف حكومي خمسيني، يعبّر عن الأزمة قائلاً: “راتبي لا يكفي لأسبوع. كل شيء يرتفع، ولا حلول في الأفق”.

ويضيف بحسرة: “كنت أستطيع أن أؤمن الخبز واللبن واللحم ولو مرة أسبوعياً، أما اليوم فأطفالي ينامون دون عشاء في بعض الأيام. نحن نعيش على الحوالة التي يرسلها ابني من لبنان، ولو قُطعت لا أعرف كيف سنكمل. أصبحنا نخجل من السؤال عن سعر شيء في السوق، لأن الجواب قد يكون صادماً”.

 

سياسات نقدية حذرة… ونتائج عكسية

في خطوة تهدف إلى ضبط المعروض النقدي والحد من المضاربات، واصل مصرف سوريا المركزي منذ سنوات تقييد عمليات السحب النقدي من المصارف. وبرر القرار حينها بضرورات كبح الطلب على الدولار وتحجيم السيولة الزائدة في السوق. إلا أن هذه الإجراءات، بحسب خبراء اقتصاد، جاءت بنتائج عكسية.

يقول الباحث الاقتصادي د. وائل صوان: “السياسة النقدية عززت حالة الركود. عندما تُمنع السيولة عن السوق، تتقلص الحركة التجارية ويتضرر الاستثمار. الدولار لم يُضبط، والليرة فقدت دورها كوسيلة تبادل حقيقية”.

ويتابع: “الخلل الأعمق هو أن السياسة النقدية تُعالج الأعراض دون التطرق إلى الأسباب الهيكلية. الاقتصاد بحاجة إلى دورة إنتاج، واستقرار مالي، وبيئة أعمال جاذبة. لا يكفي أن نخفض المعروض النقدي إن لم يكن هناك قطاع خاص نشط، وتمويل متاح، وثقة عامة”.

 

جهود المعالجة… بداية متأخرة؟

خلال الأشهر الأخيرة، أعلن المركزي عن خطوات لمراجعة السياسة النقدية، منها تحسين نظام الحوالات الخارجية، وضبط شركات الصرافة، وتحفيز الادخار عبر رفع أسعار الفائدة على الليرة السورية. إلا أن هذه الإجراءات ما تزال محدودة التأثير، في ظل ضعف الثقة بالمؤسسات المالية، وغياب رؤية اقتصادية شاملة تدمج النقدي بالمالي والإنتاجي.

الوضع الاقتصادي في سوريا اليوم يمضي في دائرة مغلقة من التضخم، انخفاض القوة الشرائية، وتراجع النشاط الاقتصادي. ورغم بعض المبادرات الإصلاحية، فإن غياب السياسات الشاملة وقيود السيولة المستمرة تُضعف الأمل بأي تعافٍ قريب، ما لم تُتخذ إجراءات جذرية لإعادة تحفيز الاقتصاد على أسس إنتاجية وتنموية.

 

إقرأ أيضاً: الليرة السورية والليرة التركية تنافس على المصالح يضرب مصالح الناس

إقرأ أيضاً: نظام استثماري جديد لتحريك عجلة الصناعة في سوريا

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

الاقتصاد السوريالسياسة النقديةالسيولة النقديةمعدلات التضخم
Comments (0)
Add Comment