سوريا بين خطوط النار: كيف تُرسم ملامح المستقبل في ظل الحرب الإسرائيلية – الإيرانية؟

داما بوس -خاص

 بين نيران لا تملك أدواتها، ومصير لا تملك تغييره، تجد سوريا نفسها اليوم على تخوم صراع إقليميّ يتجاوز حدود المعركة بين “تل أبيب” وطهران، ليعيد رسم خرائط النفوذ والقوة في المنطقة، وسط غياب شبه كامل للقدرة السورية على التأثير أو المبادرة.

منذ سقوط النظام السابق في دمشق، وما رافقه من انهيار المؤسسة العسكرية وتحطيم جميع المقدرات العسكرية السورية من قبل “إسرائيل”، تحولت سوريا إلى ساحة خالية من القدرة على المواجهة الميدانية، تُخاض على أرضها ممارسات الاحتلال وتُمرر فوق أجوائها الصواريخ، دون أن يكون لها دور سوى استقبال الأضرار، ومع اندلاع الحرب المباشرة بين إيران و”إسرائيل”، لم يعد السؤال في سوريا: كيف نواجه، لعدم قدرتها على ذلك؟ بل “كيف سنتلقى النتائج”؟

 

احتلال مستقر وتهديد آخذ في التمدد

تحتل “إسرائيل” الجولان السوري وتسيطر على أجزاء واسعة من محافظة القنيطرة، ومناطق أخرى في ريف دمشق ودرعا. لم تكن تلك السيطرة موضع تفاوض جدّي، بل تحوّلت إلى أمر واقع بفعل غياب الإرادة الدولية والضعف الداخلي السوري. لكن الجديد اليوم، هو أن “إسرائيل”، تحت غطاء الحرب مع إيران، بدأت في فرض وقائع ميدانية أوسع في القنيطرة وجواره: تهجير لسكان، تجريف منازل، تحصينات عسكرية، وترتيبات أمنية مختلفة.

وخلال الأيام القليلة الماضية فقط، أعلنت مصادر محلية في القنيطرة عن تجريف القوات الاسرائيلية 15 منزلًا في بلدات حدودية، بحجة “اعتبارات أمنية”. غير أن ذلك لا يبدو معزولًا عن السياق الإقليمي، بل أقرب إلى رسائل عملية تؤكد أن الاحتلال الإسرائيلي يعيد صياغة أمنه القومي على الأرض السورية، دون قدرة حكومة دمشق الجديدة على المواجهة.

النتيجة؟ مع استمرار الحرب، وازدياد الهيمنة الإسرائيلية، يصبح حلم استعادة الجولان أو الأراضي المحتلة بعد سقوط النظام أقرب إلى الأسطورة، ليس فقط لأن سوريا منهكة، بل لأن موازين القوى الإقليمية لا تمنحها حتى حق التفاوض عليه.

حين لا يكون النأي بالنفس خيارًا

في كثير من الحروب الإقليمية، قد يبدو تبنّي موقف الحياد أو النأي بالنفس موقفًا عقلانيًا يخدم مصالح الدول. لكن هذه القاعدة ليست ثابتة، ففي الحرب الحالية بين طهران و”تل ابيب” لا تنطبق القاعدة على مجموعة من الدول، منها سوريا. فالبلد ليس طرفًا بعيدًا، بل طرف مستهدف. الجغرافيا، والاحتلال، والتاريخ، يجعل من سوريا – شاءت أم أبت – جزءًا من المعركة.

وفي غياب قدرة الدولة الجديدة على الرد العسكري أو حماية السيادة الميدانية، تبدو البلاد مكشوفة سياسيًا وعسكريًا، وهو ما يفتح الباب أمام تحوّل الحرب الإقليمية إلى تهديد مباشر لوحدة الأراضي السورية ومستقبلها السيادي.

ولأن دمشق الجديدة لا تملك الأدوات العسكرية ولا شبكة تحالفات توازي التغلغل الإسرائيلي، فهي في موقع مكشوف بالكامل أمام آثار أي انتصار إسرائيلي في هذه الحرب. إذ أن ذلك سيمنح “تل أبيب” فائض قوة لا يقف عند حدود طهران، بل سيتمدّد تلقائيًا نحو كل جغرافية ممكنة، وأهمها الساحة السورية.

ما بعد الحرب: مكاسب تفاوض أم خسائر جيوسياسية؟

من السيناريوهات الأكثر ترجيحًا في حال انتصار “إسرائيل”، أن تُطرح سوريا كورقة على طاولة “ترتيب ما بعد الحرب”، حيث يُعاد تعريف الحدود، ويُعترف بالواقع القائم، ولن يُربط الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة بأي تفاوض قادم، وإنما بتنازلات سياسية ضخمة، تشمل ملف التطبيع، وإعادة هيكلة النفوذ الأمني الداخلي.

وبما أن المؤسسة العسكرية السورية أُخرجت تمامًا من المشهد بعد سقوط النظام، فإن الردع لم يعد خيارًا، ولا التهديد باستخدام القوة ورقة ضغط. وهو ما يُضعف موقف دمشق الجديدة في أي مفاوضات محتملة، ويجعلها أكثر خضوعًا للإملاءات الأمنية أو الحدودية القادمة من “تل أبيب” أو من رعاتها الغربيين.

لكن ماذا لو خسرت “إسرائيل”؟
هل يمهّد ذلك الطريق لتحرير الجولان مثلًا؟ الجواب لا يزال غامضًا، غير أن ما يمكن قوله بوضوح هو أن أي هزيمة عسكرية أو سياسية لتل أبيب ستمنعها – على الأقل – من التوسع وفرض وقائع جديدة على الأرض. بل قد تجد نفسها مضطرة للانكفاء إلى خطوط وقف إطلاق النار لعام 1974، والحدّ من عملياتها داخل الأراضي السورية. هذا لا يعني بالضرورة أن سوريا الرسمية قادرة في هذه المرحلة على استعادة السيادة أو المبادرة، لكنها على الأقل لن تواجه خطرًا إضافيًا من حيث التمدد الإسرائيلي أو فرض ترتيبات أمنية أحادية الجانب في الجنوب.

ما هي الحلول السورية الممكنة؟

على سوريا إعادة التموضع كفاعل سياسي، بدل البقاء كأرض متنازع عليها، لأن فقدان المقدرات العسكرية لا يمنع امتلاك أوراق قوة غير تقليدية، عبر تفعيل الجاليات السورية والمجتمع المدني في المحافل الدولية، وفتح قنوات تفاوضية في ملف الجولان المحتل أمام الرأي العام العالمي، مستندًا إلى القانون الدولي لإعادة القضية السورية إلى الواجهة، وربط أي تسوية مستقبلية بالانسحاب الإسرائيلي.

استمرار احتلال الجولان دون مقاومة سياسية أو قانونية يحوّله إلى “أمر واقع نهائي” في خضم المشهد الحالي، وذلك بإعادة تفعيل الملف في الأمم المتحدة، وتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية الأخيرة (مثل تجريف المنازل والتهجير والتوغل المستمر) ضمن تقارير حقوقية موسّعة لمنع أي تسوية سياسية قادمة تُقصي الجولان من أي نقاش مستقبلي.

الحلول ليست جاهزة، ولا سريعة، لكنها تبدأ من الاعتراف بأن معركة سوريا لم تعد فقط عسكرية أو حدودية، بل معركة وجود وشرعية واستقلال القرار الوطني، والفرصة الوحيدة لسوريا اليوم، هي أن تتحول من ساحة إلى فاعل، ولو سياسيًا أو دبلوماسيًا، قبل أن تُرسم خرائط ما بعد الحرب دون مقعد لها على الطاولة.

في الخلاصة

تُظهر الحرب الحالية بين “إسرائيل” وإيران أن الجغرافيا السورية لم تعد منطقة عازلة، بل ساحة اشتباك دائم، ومع غياب القوة، وانعدام الردع، وافتقاد حلفاء موثوقين، تبدو سوريا دولة معلقة بين موازين قوى لا تملك أدواتها. لذلك، فإن مستقبلها الجيوسياسي مرهون ليس فقط بنتائج الحرب، بل بموقعها على طاولة ما بعد الحرب.

وإذا لم يُدرك السوريون – شعبًا ونخبة سياسية – خطورة اللحظة، فإنهم لن يخسروا فقط أراضيهم المحتلة، بل أيضًا حقهم في أن يكونوا طرفًا في تحديد مصيرها.

إقرأ أيضاً: إسرائيل تفرض واقعًا جديدًا في الجنوب السوري.. وصمت حكومي يثير الغضب الشعبي

اقرأ أيضاً: الاشتباك الإيراني – الإسرائيلي في الأجواء السورية

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

إسرائيلإيرانسوريا
Comments (0)
Add Comment