في تطور لافت على الخارطة السورية، شهدت محافظة السويداء اتفاقًا لوقف إطلاق النار، بعد جولات من التوتر الأمني والمواجهات المسلحة التي عصفت بالمنطقة.
ورغم أن الاتفاق جاء بصيغة تهدئة ميدانية، فإن مضامينه تحمل في طياتها دلالات سياسية وأمنية أوسع، تُعيد طرح تساؤلات قديمة-جديدة حول مستقبل المحافظة، وما إذا كانت تسير بهدوء نحو نموذج من الاستقلال الذاتي الفعلي، أو شكل موسّع من أشكال اللامركزية.
فبين تحديد معابر إنسانية، وضبط التحركات داخل حدود إدارية واضحة، وانتشار “الأمن العام” خارج هذه الحدود بمهام شبيهة بوظائف “حرس الحدود”، تتبلور ملامح واقع جديد يتشكّل تدريجيًا على الأرض.
واقع قد لا يكون مؤسسًا رسميًا، لكنه يفرض نفسه كأمر واقع، في انتظار تسوية أوسع.
إقرأ أيضاً: رويترز: دمشق بالغت في تفسير الدعم الأميركي لتوحيد السلطة
بيان الرئاسة الروحية وتفاصيل وقف إطلاق النار
أعلنت الرئاسة الروحية للموحدين الدروز في سوريا، عبر بيان رسمي، تفاصيل اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه برعاية دولية، بعد تصاعد المواجهات بين الفصائل الدرزية من جهة، وعشائر البدو والقوات المساندة لها من جهة أخرى.
الاتفاق، الذي جاء عقب أيام من التوتر الأمني وسقوط مئات القتلى من الطرفين، تضمّن مجموعة من البنود اللافتة، التي تطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإدارة المحلية في السويداء، وطبيعة العلاقة مع الحكومة المركزية في دمشق.
أبرز بنود الاتفاق
وفقًا للبيان الصادر عن الرئاسة الروحية، تضمنت التفاهمات ما يلي:
انتشار حواجز الأمن العام السوري خارج الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، بهدف ضبط الاشتباكات ومنع تسلل أي مجموعات إلى داخل المحافظة.
تجميد دخول أي جهة إلى القرى الحدودية لمدة 48 ساعة، لإتاحة الوقت أمام انتشار القوى الأمنية وتفادي الهجمات المباغتة.
السماح بخروج آمن لأبناء العشائر من داخل السويداء، تحت إشراف الفصائل المحلية، دون اعتراض أو إساءة.
تحديد معابر إنسانية للحالات الطارئة: معبرا بصرى الشام وبصرى الحرير.
دعوة المجموعات الأهلية إلى عدم مغادرة حدود المحافظة، وتجنب أي استفزازات أو تحركات عسكرية.
تحميل أي طرف يخالف الاتفاق المسؤولية الكاملة عن انهياره.
نداء إلى شباب المحافظة للتحلي بالمسؤولية وإنهاء المحنة التي طال أمدها.
إقرأ أيضاً: بعد أيام من العنف.. هل يصمد اتفاق وقف إطلاق النار الجديد في السويداء؟
حكم ذاتي أم لامركزية؟
رغم أن البيان لم يتطرق بشكل صريح إلى أي صيغة من صيغ الحكم الذاتي أو اللامركزية، فإن صياغة البنود وتوزيع الأدوار توحي بواقع ميداني جديد.
عبارة “الأمن العام يحمي حدود السويداء”، على سبيل المثال، تُوحي بدور شبيه بوظيفة “حرس الحدود”، ما يعزز فرضية وجود نوع من الاستقلال الأمني للمحافظة.
كما أن منع تحركات المجموعات الأهلية خارج الحدود الإدارية يعكس سلوكًا أقرب إلى سياسات الإدارات المحلية أو الإقليمية، التي تنظم تحركات قواتها ضمن نطاق جغرافي محدد.
إضافة إلى ذلك، فإن تنظيم المعابر الإنسانية، وتسهيل خروج جهات محددة تحت إشراف محلي، يشير إلى نوع من السلطة التنفيذية الميدانية، تتجاوز الدور الأمني التقليدي، وتؤسس لنموذج إدارة ذاتية غير معلنة.
موقع دمشق من الاتفاق
أعلنت وكالة سانا السورية الرسمية أن قوات الأمن العام بدأت تنتشر في محيط محافظة السويداء، استعداداً للدخول إلى المدينة لضمان تنفيد وقف إطلاق النار.
مصدر رسمي في وزارة الإعلام السورية قال إن المرحلة الثالثة من الاتفاق، ستنطلق بعد تثبيت حالة الهدوء، وتتضمن تفعيل مؤسسات الدولة وانتشار تدريجي ومنظّم لعناصر الأمن الداخلي في عموم أرجاء المحافظة، وفق التوافقات المسبقة، وبما يضمن سيادة القانون تحت مظلة الدولة السورية.
ومع ذلك، فإن مشاركة “الأمن العام” التابع للحكومة في تنفيذ بعض بنود التفاهم قد يُقرأ كنوع من التفويض الضمني أو التوافق المرحلي، الهادف إلى احتواء الأزمة وتجنّب التصعيد، دون أن يعني بالضرورة قبولًا طويل الأمد بالصيغ الجديدة الناشئة على الأرض.
إقرأ أيضاً: “إسرائيل” تستثمر فوضى السويداء لتعزيز نفوذها جنوب سوريا
محطة مؤقتة أم بداية مرحلة جديدة؟
لا يُشكّل اتفاق وقف إطلاق النار في السويداء إعلانًا صريحًا عن قيام حكم ذاتي، لكنه بالتأكيد يُكرّس نوعًا من اللامركزية الأمنية والإدارية، التي باتت تفرض نفسها كأمر واقع.
ويبقى السؤال الأهم: هل هذا الاتفاق محطة مؤقتة لضبط الوضع الأمني؟ أم أنه الخطوة الأولى نحو نموذج إداري جديد في السويداء؟
إقرأ أيضاً: اتفاق دمشق – تل أبيب: هدنة معلّقة بين اشتباكات الجنوب والتوازنات الإقليمية
إقرأ أيضاً: السويداء تحت الحصار: مأساة إنسانية متصاعدة ومطالب عاجلة بالممرات الآمنة والقوات الدولية