في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، يجد المواطن السوري نفسه مرغمًا على اللجوء إلى المستشفيات الحكومية كخيار “أقل تكلفة”. إلا أن هذا الخيار تحول إلى تجربة مريرة ومكلفة للكثيرين، بسبب التدهور الملحوظ في مستوى الخدمات، النقص الحاد في الأدوات الطبية الأساسية، والغياب التام للنظافة العامة.
في العاصمة دمشق، التي تضم أكبر المنشآت الطبية العامة، تتكرر هذه المشاهد المأساوية. يشتكي المرضى من اضطرارهم لشراء مستلزمات طبية أساسية مثل السرنجات، السيرومات، الشاش، والقفازات من خارج المستشفى، إضافة إلى تدهور النظافة وغياب أي رقابة إدارية فعالة.
خدمات مفقودة في قلب العاصمة
كشفت زيارة ميدانية لمستشفى المواساة الجامعي، أحد أكبر المستشفيات الحكومية في دمشق، عن واقع مؤلم يطابق الشكاوى المتكررة. الغرف مكتظة، النفايات الطبية متراكمة، الروائح الكريهة منتشرة في بعض الأقسام، والمرافق الصحية لا ترقى إلى الحد الأدنى من المعايير.
تروي سهام بلول، سيدة خمسينية، معاناتها مع والدتها المريضة بالتهاب رئوي: “من أول يوم دخلنا فيه المشفى، طُلب منا شراء كل شيء، السيروم، والإبر، الكحول، حتى الكمادات… لا شيء كان متوفرًا، والردّ الدائم من الكادر التمريضي: ما في، روحوا اشتروا من برّا، هل يُعقل أن يأتي المريض إلى المستشفى الحكومي ولا يجد حقنة؟!”
من جانبه، ذكر أبو مازن، الذي يرافق ابنه المصاب بكسر حاد، أن تكلفة شراء الأدوات الطبية اللازمة لعلاج ابنه وصلت إلى 700 ألف ليرة سورية خلال 3 أيام فقط، مضيفًا بأسى: “في البداية اعتقدت أنها حالة استثنائية، لكن تبيّن لي أن جميع المرضى يشترون أدواتهم، أصبحنا نتحمل كلفة الطبابة المجانية!”
لم يقتصر الأمر على نقص المستلزمات الطبية، بل امتد ليشمل غياب النظافة العامة، حسبما أفاد حسام عبد الله، الذي يرافق والده المريض بالسكري: “الروائح في الغرفة لا تُطاق، النفايات لا تُرفع بانتظام، والمرافق الصحية متهالكة. يشعر المريض وكأنه في مبنى مهجور، لا في منشأة طبية، لم أكن أتخيل أن الأمر بهذا السوء.”
صمت وزارة الصحة وتأثيره على الرعاية
لم تستجب وزارة الصحة السورية لأسئلة معد التقرير حول أسباب نقص الأدوات الطبية والمستلزمات، أو عدم متابعة نظافة المستشفيات الحكومية، رغم التواصل المباشر. هذا الصمت يثير تساؤلات حول مدى وعي الوزارة بحجم المشكلة أو استعدادها لمواجهتها، خاصة مع تزايد أعداد المرضى القادمين من خارج دمشق، الذين لا يملكون بديلاً سوى هذه المنشآت في ظل تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية.
أوضح عدد من العاملين في كادر التمريض بمستشفى المواساة أن النقص في المستلزمات الطبية يعود إلى ضعف التوريد ومشكلات في آليات التوزيع. وأشار البعض إلى أن بعض الأقسام باتت تعتمد بشكل كبير على ما يحضره المريض من أدوات، في ظل غياب الدعم والتجهيزات.
يشعر المرضى أن الرعاية الصحية المجانية “لم تعد سوى شعار فارغ”، حيث يتحمل المواطن عبء كل شيء، من الفحص وحتى الشاش والتعقيم. قالت ياسمين، طالبة جامعية، بعد مرافقة أختها إلى قسم الطوارئ: “أردنا معالجة جرح بسيط، وفوجئنا بأنه يجب شراء كل الأدوات. اضطررنا للركض بين الصيدليات، بينما الحالة كانت بحاجة تدخل سريع، كيف يكون هذا مشفى طوارئ ولا يملك أبسط الأدوات؟”
أمام هذا الواقع المأزوم، تغيب حتى الآن أي خطة واضحة لتحسين خدمات المستشفيات الحكومية، سواء على مستوى الصيانة أو التمويل أو الرقابة على الأداء. كما لا توجد بيانات محدثة أو شفافة تُنشر للرأي العام حول جاهزية المستشفيات، حجم العجز فيها، أو خطط الوزارة لمعالجة هذه القضايا الحيوية.