داهم الإنهاك جيش الاحتلال الإسرائيلي حتى وصل لخلايا النخاع الصهيوني، وباتت الهزيمة تنخر عظمه، وهو في الحقيقة يمني النفس في خوض المغامرة في الشمال مع حزب الله لكنه يخاف من أن يقع في فخ لا يستطيع الخروج منه، في سياق حرب قد يعرف زمان بدئها ولا يمكن التكهن بخواتيمها ونهاياتها، التي تنذر بهزيمة كبرى ومحققة للكيان على يد سواعد حزب الله المقاوم في لبنان.
مخاوف الكيان من خوض أي حرب في الشمال نابعة من عدم استعداد “إسرائيل” لحربٍ ضد لبنان، وتشير كل التحليلات الإعلامية والعسكرية إلى أن الجمهور الإسرائيلي غير مستعد لاستقبال آلاف الصواريخ من لبنان على “تل أبيب”.
جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي أنهكته الحرب في قطاع غزّة، بات ينظر بحذرٍ إلى الحرب في الجبهة الشمالية مع حزب الله، والقادة الإسرائيليون يقولون إنّهم “لا يريدون حرباً في لبنان، بعد استنزاف مواردهم في الحرب ضد قطاع غزّة، والجنود منهكون وغير مستعدون لجبهة جديدة في الشمال”.
مؤشر الحقيقة يشير في اتجاه واحد ويقول إن الحرب الإسرائيلية ضد “حماس” لم تفضي إلى هزيمتها، كما أن نتنياهو محاصر سياسياً ولم يحدد بعد استراتيجية خروجه من الحرب، وهذا يدل على حجم المأزق الداخلي والعسكري الذي تمر به “إسرائيل” وهي تواصل الغطرسة واستعراض القوة المميتة في غزة.
“إسرائيل” لا شك لو فكرت بالمغامرة ستواجه من لبنان خصماً أكبر حجماً وأفضل تسليحاً وأكثر احترافية من “حماس” في قطاع غزّة، وخوف الكيان من قوة حزب الله يتجلى في بقاء المستوطنات الشمالية مهجورة مع تزايد الضغوط من المستوطنين النازحين الإسرائيليين على حكومتهم للتحرّك من أجل إعادتهم.
وليس بخافي على أحد أن القادة العسكريين الإسرائيليين يعكفون على وضع خطط للهجوم على لبنان منذ أشهر، لكن الخوف والتردد سيد الموقف في ضوء الهزيمة العسكرية والنفسية التي مني بها جيش الاحتلال في غزة والشمال، حيث قام رئيس كيان الاحتلال بعزل نفسه، وتجنّب اتخاذ القرارات الصعبة من أجل كسب الوقت وإحاطة نفسه بموالين يفتقرون إلى الخبرة العسكرية.
ضربات حزب الله على مواقع الاحتلال تعتبر تجربة بسيطة لما قد يُلحقه بـ “إسرائيل” خلال حربٍ واسعة، ومن المتوقّع أن تؤدي هذه الضربات إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاقٍ واسع في الكيان، وحزب الله لديه مقاتلين يفوقون بالعدد مقاتلي “حماس” أضعافاً مضاعفة، وكذلك في الذخائر، والصواريخ الموجّهة.
جيش العدو الإسرائيلي فقد البوصلة في الحرب بتشويش من المقاومة الفلسطينية التي تساندها مقاومات لبنان والعراق واليمن وسوريا، والشهر الماضي قال نائب رئيس الأركان الصهيونية السابق لمحطة إذاعية إسرائيلية، يائير جولان: “لقد أصبحت قوات الاحتياط والنظام العسكري النظامي منهكة حتى النخاع”.
“إسرائيل” معتادة على حروب قصيرة ولا طاقة لها في خوض حروب طويلة الأمد باعتراف ساسة وعسكريي الكيان حالهم كحال المسؤول السابق فيما يسمى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يوئيل غوزانسكي، الذي قال إن “إسرائيل معتادة على خوض حروب قصيرة، وبعد تسعة أشهر، أصبح الجيش الإسرائيلي مرهقاً، ويحتاج إلى العناية بالمعدات، وقد استنفدت الذخائر، وتتأثر كل أسرة في إسرائيل بذلك”.
الصهاينة يجمعون مرغمين على أن الغزو الإسرائيلي للبنان قد يكون بمثابة “فخ”، سيجر “إسرائيل” إلى حرب مرهقة أخرى لا نهاية لها، ومخطئ من يظن أن الحرب ضد لبنان من الممكن أن تنتهي في غضون أيام أو أسابيع، كما أن مشاهد الدمار في لبنان التي قد يحدثها الاحتلال كما فعل في غزة ستؤدي إلى تكثيف الضغوط الدولية على “إسرائيل” وزيادة التوترات مع الولايات المتحدة الأميركية.
ويعلم جنود وضباط الاحتلال على أن حزب الله مستعد بشكلٍ أفضل بكثير لغزو بري إسرائيلي للبنان، وفي حال اندلعت حرب مع حزب الله، فإنّ التقديرات تشير إلى أنّ “إسرائيل ستتلقى أكبر وابل صاروخي متواصل في التاريخ”، وقد اعترفت وسائل إعلام إسرائيلية، في 5 تموز الماضي، أن حزب الله حقّق منذ بداية الحرب على غزة إنجازاً استراتيجياً مهماً، متمثلاً في تحويل المستوطنات في الشمال الواقعة على جبهة خط المواجهة إلى حزام أمني عسكري مهجور من المستوطنين ويخضع لنظام قتالي يفرضه حزب الله.