بين السلم والعدالة: الإفراج عن ضباط النظام السابق يشعل غضب الشارع السوري

داما بوست -خاص

في خطوة أثارت موجة تباين في الآراء بين من اعتبرها بوابة ضرورية نحو السلم الأهلي، وآخرين رأوا فيها قفزاً على العدالة، كشفت لجنة السلم الأهلي في سوريا تفاصيل الإفراج عن مجموعة من الضباط السابقين في النظام، كانوا قد سلموا أنفسهم خلال السنوات الماضية، ومع تداول اسم فادي صقر كوسيط رئيسي في العملية، تصاعدت ردود الفعل الشعبية، وسط تساؤلات عن آليات المحاسبة وحدود التسامح الممكن في مرحلة ما بعد الحرب.

عقدت لجنة السلم الأهلي في سوريا مؤتمراً صحافياً يوم الثلاثاء، الموافق 10 يونيو/حزيران 2025، في مقر وزارة الإعلام بدمشق، بحضور عضو اللجنة حسن صوفان والمتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا، حيث أعلنا عن مستجدات تتعلق بالإفراج عن عدد من الضباط السابقين في أجهزة النظام السوري.

وقال صوفان إن هؤلاء الضباط كانوا قد سلّموا أنفسهم طوعاً عبر الحدود العراقية ومنطقة السخنة منذ عام 2021، ضمن ما سُمّي حينها بـ”حالة الاستئمان”، وخضعوا لتحقيقات لم تثبت تورطهم في جرائم حرب، معتبراً أن استمرار احتجازهم لم يعد له مبرر قانوني أو وطني، لا سيما في ظل حساسية الأوضاع الأمنية في مناطق مثل الساحل السوري.

وأوضح أن الإفراج عنهم لا يُعد عفواً عاماً، بل يندرج ضمن خطوات تعزيز السلم الأهلي، ويتقاطع مع مسار العدالة الانتقالية التي أطلقتها لجنة وطنية بموجب مرسوم رئاسي، مؤكداً أن المسار لا يعني محاسبة كل من خدم في النظام، بل يركّز على كبار المجرمين المتورطين بانتهاكات جسيمة.

ولم يُعلن رسمياً عن عدد الضباط المفرج عنهم، لكن مصادر متعددة قدّرت العدد بأكثر من 300 ضابط من المنتسبين السابقين إلى الجيش والأجهزة الأمنية، وبيّن صوفان أن غالبيتهم من “الضباط العاملين”، دون أي سجل جنائي أو صلة مباشرة بجرائم ضد المدنيين.

وشدّد المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا على أن بعض ضباط النظام السابق تعاونوا خلال معركة “ردع العدوان”، وسلّموا مقارهم العسكرية مما سهّل استعادة السيطرة على عدة مناطق، لكنه أكّد أن السلطات الرسمية لا تفضل الإفصاح عن هويات هؤلاء الضباط حفاظاً على الأمن والاستقرار، وكانت الحكومة السورية قد أفرجت عنهم يوم الجمعة الماضي، الموافق 6 حزيران/ يونيو.

وأثارت قضية الإفراج عن هؤلاء الضباط، ولا سيما الدور الذي لعبه فادي صقر، القيادي السابق في ميليشيا “الدفاع الوطني”، جدلاً واسعاً وغضباً شعبياً كبيراً، فقد اتُّهِم صقر بارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين خلال فترة النظام السابق في مناطق مثل التضامن جوبر ومضايا بدمشق وريفها، مما جعل من وساطته في الإفراج عن الموقوفين موضوعاً حساساً ومثيراً للانتقادات.

وفي تصريح لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية، نفى فادي صقر مسؤوليته عن مجزرة التضامن الشهيرة في دمشق، وقال إن الحكومة السورية لم تمنحه أي عفو رسمي، زاعماً أن وزارة الداخلية “لا تمتلك أي دليل ضده”، ومضيفاً: “لو كان هناك أي دليل، لما عملت اليوم معها”، في إشارة إلى دوره الحالي ضمن عمليات المصالحة، كما أكد استعداده للخضوع لأي قرار صادر عن السلطة القضائية وفقاً للإجراءات القانونية.

ونشر الناشط سقراط الرحية، مقطع فيديو يشكر فيه صقر على وساطته، وهو ما زاد من قوة موجة الاستياء على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبر العديد من الناشطين والحقوقيين بأن الإفراج تم عبر وساطات مشبوهة على حساب العدالة، مما يهدد مسار العدالة الانتقالية ويضعف ثقة الجمهور في المؤسسات.

ورداً على هذه الانتقادات، أكد حسن صوفان أن وجود شخصيات مثيرة للجدل مثل فادي صقر في مسار المصالحة يهدف إلى “حقن الدماء” وتهدئة الأوضاع في المناطق الساخنة، مشدداً على أن اللجنة تدرك تماماً مشاعر الغضب لدى عائلات الضحايا لكنها تسعى لتحقيق توازن دقيق بين المصالحة والمحاسبة.

وشدد على أن الوصول إلى السلم الأهلي يتطلب مصالحة مجتمعية شاملة تعيد بناء الثقة بين مكونات الشعب السوري، رغم الصعوبات والتحديات الكبيرة التي تواجه البلاد نحو استقرار مستدام.

وفي خطوة لافتة، أشارت مصادر مطلعة إلى أن العديد من الضباط المفرج عنهم عادوا للمشاركة بشكل فعال في مؤسسات الدولة والإدارة الجديدة، حيث يشغلون مناصب عسكرية وأمنية، مما يعكس محاولة الدمج بين الخبرات السابقة والإدارة الراهنة لتعزيز الاستقرار الأمني، رغم التحفظات المجتمعية على هذا الأمر.

بدوره، أكد البابا التزام الدولة بمحاكمة كل من يثبت تورطه بجرائم حرب، مشدداً على أن محاكمات عادلة هي حجر الزاوية في العدالة الانتقالية، فيما تُتابع أجهزة الأمن ملفات المجرمين الحقيقيين بعيداً عن التسويات السياسية والاجتماعية.

ورغم تأكيد لجنة السلم الأهلي على أن هذه الإجراءات تُنفذ تحت مظلة القانون وضمن مسار العدالة الانتقالية، يبقى الجدل قائماً حول مدى قدرتها على تحقيق توازن حقيقي بين تطلعات السوريين للعدالة، والحاجة إلى التهدئة المجتمعية بعد سنوات من النزاع، وبينما تمتنع الجهات الرسمية عن الكشف عن كامل تفاصيل الإفراج أو هويات الضباط المشمولين به، تظل الأسئلة مفتوحة حول الخطوات المقبلة وحدود المصالحة الممكنة.

إقرأ أيضاً: العدالة الانتقالية تشعل الجدل: هل تُحاسب جهة وتُعفى أخرى؟


حساباتنا: 
فيسبوك  تلغرام يوتيوب

العدالة الانتقاليةحسن صوفانفادي صقرلجنة السلم الأهلينور الدين البابا
Comments (0)
Add Comment