“تريليون دولار” في الطريق إلى سوريا؟ بين الأمل الاقتصادي والواقع المُعقّد

تداولت الأوساط الاقتصادية والإعلامية في سوريا مؤخرًا أحاديث متصاعدة عن استثمارات “تريليونية” مرتقبة، وسط تصريحات رسمية تتحدث عن فرص غير مسبوقة قد تغيّر وجه الاقتصاد السوري خلال ثلاث إلى خمس سنوات. وبين من يرى في هذه الوعود أفقًا واعدًا، ومن يتعامل معها كمجرد حلم بعيد المنال، يبرز سؤال جوهري: هل الاقتصاد السوري قادر فعلاً على استيعاب هذا الكم من الاستثمارات في المدى القريب؟

آمال رسمية تتجاوز السقف

في تصريح لافت، أكد وزير الاقتصاد والصناعة السوري، الدكتور نضال الشعار، أن سوريا الجديدة “تمتلك فرصًا استثمارية قد تتجاوز تريليون دولار”، معتبرًا أن الأرقام المتداولة سابقًا حول تكلفة إعادة الإعمار والتي تقدر بـ400 مليار دولار لم تعد كافية لتوصيف حجم الفرص المتاحة اليوم.

لكن هذه الطروحات التي توصف بأنها “تفاؤلية جدًا” سرعان ما أثارت انتقادات وتساؤلات حول الأساس الواقعي والاقتصادي الذي تستند إليه، خاصة في ظل الانكماش الحاد الذي يشهده الاقتصاد السوري منذ أكثر من عقد.

عوائق في قلب المشهد

يرى الخبير الاقتصادي مسلم عبد طالاس أن الاقتصاد السوري، في وضعه الحالي، غير مؤهل فنيًا أو مؤسسيًا لاستيعاب استثمارات بهذا الحجم الضخم، محذرًا من أن ضخ أموال تفوق طاقة الاقتصاد قد يؤدي إلى آثار عكسية، أبرزها التضخم، وارتفاع أسعار العقارات، واتساع الفجوة بين الطبقات الاجتماعية.

وأشار طالاس إلى أن التجربة السورية تُظهر أن نسبة الاستثمار إلى الناتج المحلي تراوحت تاريخيًا حول 17.7%، وبلغت في أفضل حالاتها 25%. وبما أن الناتج المحلي السوري لا يتجاوز اليوم 10 مليارات دولار وفق تقديرات متفائلة، فإن الاقتصاد لن يكون قادرًا على امتصاص أكثر من 5 مليارات دولار سنويًا في أفضل السيناريوهات.

أرقام تفتقر إلى الأساس الواقعي

استنادًا إلى هذه المعطيات، فإن استيعاب أول 100 مليار دولار من الاستثمارات سيستغرق نحو سبع سنوات، وفق طالاس، ما يجعل الحديث عن تريليون دولار خلال أقل من خمس سنوات أمرًا أقرب إلى الخطاب السياسي منه إلى التخطيط الاقتصادي المحسوب.

كما أن هذه التصريحات تتجاهل واقع البنية التحتية المتهالكة، والنظام المالي غير المؤهل، ومناخ الاستثمار الذي لا يزال محفوفًا بالمخاطر، إضافة إلى هشاشة البيئة القانونية والتنظيمية في ظل غياب إصلاحات مؤسساتية حقيقية.

بين الواقعية والتطلعات

لا ينكر الاقتصاديون حاجة سوريا الماسّة إلى رؤوس أموال لإعادة البناء وتحفيز الاقتصاد، لكنّهم يشددون على أن المدخل الحقيقي لذلك هو استعادة الثقة، وتهيئة البيئة الاستثمارية، وتطوير البنية المؤسساتية، وليس التلويح بأرقام ضخمة تفتقر إلى خطة واضحة وجدول زمني واقعي.

في النهاية، يبدو أن التحدي الأكبر لا يكمن في جذب تريليون دولار، بل في كيفية إدارة أي استثمار قادم بكفاءة وشفافية، وتحويله إلى تنمية حقيقية، بعيدًا عن التوظيف السياسي والإعلامي الذي لطالما رافق مشاريع كبرى بقيت حبيسة الورق.

اقرأ أيضاً: فرحة رفع العقوبات… أم بداية وصاية جديدة؟

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

الأوساط الاقتصاديةالاقتصاد السوريوزير الاقتصاد والصناعة السوري
Comments (0)
Add Comment