قال موقع سوريا الغد إن مسار العنف المتصاعد في سوريا، خلال الأشهر السبعة الماضية، يُظهر ويتضح أن الصراع لا ينبع فقط من الانقسامات الطائفية أو الإثنية، بل من فشل النخب السياسية في تقاسم السلطة، ومن هشاشة مؤسسات الدولة، وغياب الحوافز لوقف التصعيد، في تأكيد واضح على نقطتين محوريتين: التحلل المؤسسي، واستغلال الطائفية كأداة سياسية.
الطائفية ليست السبب… بل الأداة
النزاعات الأهلية في الأساس حروب استراتيجية على السلطة أكثر من كونها انفجارات عاطفية للهويات، ما يحدث في سوريا ليس مجرد صراع طائفي أو انفجار كراهية دينية، بل هو عنف ممنهج تستثمر فيه النخب المتصارعة الانقسام المجتمعي لفرض سيطرة سياسية وإعادة رسم موازين القوى.
البيانات تشير إلى أن 2671 حالة إعدام ميداني سُجّلت خلال الفترة من 8 كانون الأول 2024 وحتى 8 تموز 2025، ومعظمها بدوافع طائفية أو سياسية، مع تسجيل ذروة العنف في آذار 2025، بحجة هجمات على الحواجز العسكرية في الساحل السوري، وهذا التصعيد تعبير عن “انعدام الثقة بين الفاعلين”، ومحاولة لإثبات الهيمنة السياسية، في غياب أي رادع قانوني أو مؤسساتي.
العنف ذروته.. آذار 2025
تُظهر البيانات أن شهر آذار وحده شهد 1726 حالة إعدام ميداني، وأكثر من1682 ضحية في مجازر الساحل (اللاذقية، طرطوس، حماة، حمص)، تزامنا مع انهيار مفاجئ في السلطة المركزية بعد سقوط العديد من المواقع الأمنية، وهذا السيناريو يمثل بامتياز “الفراغ السلطوي”، حيث يتحول الفراغ في الحكم إلى ساحة لصراعات فوضوية غير خاضعة للضبط.
وما يعزز هذا التحليل هو أن معظم المجازر جاءت في سياق عمليات انتقامية، ما يعكس فشل المؤسسات في إدارة العدالة، ويُضعف إمكانية المصالحة مستقبلا.
بيانات القتل الممنهج: أين الدولة؟
غياب الدولة أو فشلها في احتكار العنف المشروع يُحوّل أي أزمة سياسية إلى صراع أهلي طويل الأمد، وفي الحالة السورية، لم تفشل الدولة فقط في حماية المدنيين، بل أصبحت جزءا من المشكلة، عبر إنكار المجازر، وتحريف الوقائع، واتهام الضحايا بـ”العمالة” أو “إثارة الفتنة”.
وحتى بعد تشكيل لجنة تقصي الحقائق في 9 آذار، قُتل 522 مدنيا خلال 4 أشهر فقط، وتحولت اللجنة التي من المفترض أن تكون خطوة نحو المحاسبة إلى غطاء إعلامي لتأجيل الغضب، دون نتائج ملموسة على الأرض، فالنخب الحاكمة تراوغ الإصلاح لأن استمرار العنف وسيلتها للبقاء في السلطة.
الطائفية كآلية للفرز السياسي
تشير بيانات المرصد إلى أن أكثر من نصف حالات الإعدام الميداني حصلت بدوافع طائفية، خاصة في حمص، حماة، اللاذقية، وطرطوس، في نيسان، مثلاً، كانت 44 من أصل 60 حالة قتل في حمص بسبب الانتماء الطائفي، وفي طرطوس 5 من أصل 8.
وفق هذا الشكل فإن الهوية الطائفية تستخدم كأداة تعبئة فعالة وليس بكونها الجوهر الحقيقي للنزاع، فحين تفشل الدولة في خلق هوية وطنية جامعة، وتنهار المؤسسات السياسية، تصبح الهويات الأولية (الطائفة، المنطقة، القبيلة) هي المصدر البديل للانتماء السياسي، وتتحول إلى معايير للولاء أو للقتل.
المفارقة: أكثر الفظائع وقعت بعد إعلان “الإصلاح“
أكثر ما يكشف عن تناقض الأداء السياسي في سوريا أن مجازر الساحل وقعت بعد ثلاثة أيام فقط من تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وكأن الإعلان عن خطوات “إصلاحية” بات يوازي فعليا إشارة بدء لموجات عنف جديدة.
هذا يتفق مع مفهوم “التحايل المؤسسي” فحين تستخدم الأنظمة المأزومة أدوات الدولة لإضفاء شرعية زائفة على ممارساتها، بدلا من إصلاح فعلي، وهو ما يظهر في استخدام الإعلام الرسمي السوري لروايات مضادة تُصوّر الضحايا كمجرمين، وتُحوّل الجناة إلى “مدافعين عن الوطن”.
لا حرب بلا نهاية… ولكن متى؟
إن استمرار الحرب لا يعني أنها بلا نهاية لكنها مرهونة بثلاثة عوامل:
- كسر توازن الردع بين الأطراف.
- تدخل دولي حاسم يفرض تكلفة مرتفعة على استمرار النزاع.
- وجود مؤسسة قادرة على تنفيذ اتفاق سلام وحمايته.
في الحالة السورية، لا تتوفر أي من هذه الشروط، فالتوازن الهش بين القوى الطائفية، والتدخل الدولي الانتهازي، وغياب مؤسسات قوية، كلها تمنح النزاع قابلية للاستمرار، وربما التصاعد.
الأرقام في مواجهة السياسة
وثق المرصد السوري2671 حالة إعدام ميداني في 7 أشهر، و522 قتيلاً خلال 4 أشهر فقط من تشكيل لجنة تقصي الحقائق، وأكثر من60 مجزرة في الساحل منذ 6 آذار، وكل رقم هنا ليس مجرد إحصائية، بل صفعة أخلاقية على وجه الصمت الدولي، ودليل على فشل النخب السياسية في تجنيب البلاد السيناريوهات الأسوأ.
ما يحدث لا يشكل عنفاً “عشوائيا” أو انفلاتا مؤقتا، بل نتيجة مباشرة لمنظومة سياسية مفككة تستخدم العنف لتحقيق مكاسب سلطوية، وتفتقر لأي نية حقيقية لوقف النزاع أو احتوائه.
ما يجري في سوريا منذ نهاية 2024 وحتى منتصف 2025 ليس سوى تجسيد لنموذج “الدولة الفاشلة التي تُنتج العنف بدلا من منعه”، واستمرار الإفلات من العقاب، وغياب المحاسبة، واستغلال الهويات الطائفية كوسيلة للتعبئة والفرز، لا تقود إلى التهدئة، بل إلى موجات أعمق من الكراهية.
الدرس السياسي من هذا المسار واضح: بدون تفكيك المنظومة التي تُدير العنف، لا يمكن بناء السلام، وبدون الاعتراف بالضحايا لا يمكن لأي لجنة تقصٍ أن تبرر وجودها.
إقرأ أيضاً: اللجنة الاقتصادية في حماة متهمة بتهجير قرى علوية والاستيلاء على ممتلكاتها
إقرأ أيضاً: اغتيال عالم دين في حمص يثير غضباً واسعاً