تعثر مفاوضات “قسد” ودمشق: خلافات أمنية وإدارية تؤجل التكامل في شمال شرق سوريا

تشهد مفاوضات قسد وحكومة دمشق تعقيدات متزايدة، مما ينذر بتأجيل أي مسار تنفيذي لاتفاقات التهدئة أو التكامل المؤسساتي، على الرغم من استمرار قنوات التفاوض الرسمية. التباينات الرئيسية تكمن في قضايا أمنية وإدارية، خاصة فيما يتعلق بدمج القوات والسيطرة على المناطق الغنية بالنفط.

أسباب التعثر: انعدام الثقة وغياب خريطة الطريق
تتعثر النقاشات بين الوفود بسبب انعدام الثقة وغياب خريطة طريق واضحة من قبل الدولة السورية لدمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ومؤسسات الإدارة المدنية. هذا الوضع يهدد بإبقاء الشمال الشرقي السوري في حالة “شراكة مؤجلة”، بانتظار حلول غير ناضجة.

مصادر مطلعة في الإدارة الذاتية أكدت لـ”المدن” أن دمشق لم تقدم بعد أي مقترح عملي أو صيغة مفصلة لدمج مقاتلي “قسد” ضمن وزارة الدفاع، رغم قبول مبدئي مكرر بهذا الطرح. العقدة الأكبر تكمن في غياب أي تصور رسمي لمصير ما يزيد عن عشرين ألف مقاتلة من وحدات حماية المرأة، وسط ما وصفته المصادر بـ”تشدد الحكومة السورية في التعامل مع النساء المقاتلات”، على المستويين العسكري والمجتمعي.

برزت هذه التباينات بوضوح في الاجتماع الأخير الذي عُقد في دمشق، بحضور وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، ووزير الخارجية أسعد الشيباني، ووزير الداخلية أنس خطاب عن الجانب الحكومي، مقابل وفد كردي ترأسه قائد “قسد” مظلوم عبدي، وشاركت فيه فوزة يوسف وممثلون عن الإدارة الذاتية.

خلافات حول السيطرة على النفط ودمج “الأسايش”
في صلب الخلاف أيضًا، كانت مطالبة دمشق بـ”فرض سيطرة كاملة” على محافظة دير الزور، بما في ذلك الضفة الشرقية لنهر الفرات، الممتدة نحو الشدادي وحدود الحسكة، وهي مناطق تضم معظم حقول النفط والغاز. جاء رد “قسد” حاسمًا “مقابل ماذا؟”، حيث ترى الإدارة الذاتية أن هذا الطرح لا يخرج عن سياق إعادة التمركز الأمني والسيادي دون ضمانات سياسية أو إدارية أو شراكة حقيقية.

كما تمسكت الحكومة السورية بدمج وحدات حماية الشعب “الأسايش” ضمن وزارة الداخلية. إلا أن مصادر من “قسد” أكدت لـ”المدن” أن الأمر لا يزال “طرحًا نظريًا بلا خطة تنفيذية أو ترتيبات واضحة”.

إلغاء إعلان متوقع ورسائل أمنية متبادلة
كان من المفترض، بحسب المصادر، أن يتم الإعلان عن نتائج إيجابية بعد لقاء دمشق، حيث جهزت الحكومة السورية وسائل إعلام رسمية للحديث عن “اتفاق مبدئي”. لكن الإعلان ألغي في اللحظة الأخيرة بعد فشل الجلسات في إنتاج مخرجات ملموسة. ومع ذلك، لا تزال اللجان المشتركة تواصل العمل خلف الكواليس، وسط تعهدات باستمرار الحوار.

على الأرض، رُصد تصعيد لافت في الإجراءات الأمنية. فقد أغلقت حكومة دمشق جميع المعابر النهرية بين مناطقها ومناطق “قسد”، في حين شددت الأخيرة من إجراءاتها الأمنية على الحواجز الحدودية الداخلية. اعتبر مراقبون هذه التحركات بمثابة رسائل متبادلة حول الجدية والتوجس بين الطرفين.

تحذير من انفجار شرق الفرات وتدخلات خارجية
على الرغم من هذه التحديات، تتمسك الإدارة الذاتية و”قسد” بخيار التفاوض، وتؤكدان أنهما لن تعودا إلى حالة الحرب مع أي طرف، سوريًا كان أو تركيًا. لكنهما في المقابل تحذران من “تحركات غير مفهومة” تُسجل مؤخرًا في دير الزور والرقة، تهدف إلى إشعال فتنة بين المكونات العشائرية. قد يؤدي ذلك، بحسب مصادر كردية، إلى “انفجار إقليمي واسع النطاق، لن يقتصر تأثيره على مناطق الإدارة الذاتية فحسب”.

تضيف المصادر أن هذه التحركات تقف خلفها أطراف مرتبطة بـالنظام السوري والحرس الثوري الإيراني. وقد عُقد اجتماع أمني في منطقة “حصيبة” على الحدود السورية–العراقية، حضره قيادي في الحرس الثوري وشخصيات أمنية من “حزب الله العراقي”، بالإضافة إلى ضباط سابقين في جيش النظام يقيمون في العراق بعلم حكومي. الهدف المعلن هو “استثمار الخلاف الكردي–الرسمي السوري لإعادة تموضع سياسي وأمني في شرق سوريا”.

الرواية الرسمية لدمشق: وحدة لا فدرالية
في المقابل، صدر بيان رسمي سوري يعيد التأكيد على “التمسك بوحدة سوريا أرضًا وشعبًا، وجيشًا واحدًا”. وجدد البيان ترحيب دمشق بانضمام المقاتلين الأكراد إلى الجيش السوري ضمن الأطر الدستورية، داعيًا إلى عودة مؤسسات الدولة إلى شمال شرق البلاد، وإنهاء ما وصفه بـ”الفراغ الإداري”، ورافضًا “أي شكل من أشكال التقسيم أو الفدرلة”.

كما شددت الحكومة السورية على أن “المكون الكردي كان وسيبقى جزءًا أصيلًا من النسيج السوري”، مشيرة إلى أن حقوق جميع السوريين تصان داخل مؤسسات الدولة لا خارجها، ومحذرة من أن تأخير تنفيذ الاتفاقات الموقعة “يعقد المشهد” ويعيق جهود إعادة الاستقرار.

صراع سرديات ومستقبل معلق
في ضوء ما سبق، تبدو المفاوضات بين الإدارة الذاتية ودمشق محكومة بـصراع سرديات: السلطة المركزية ترى أن الحل يمر عبر عودة غير مشروطة إلى مؤسسات الدولة، بينما تتمسك “قسد” بمبدأ الشراكة والاعتراف بخصوصيات الإدارة الذاتية كمكون محلي صاعد.

وفيما يتواصل الضغط الإقليمي والدولي لتثبيت الاستقرار في شرق سوريا، يظل المشهد معلقًا على قدرة الطرفين على تجاوز الحسابات التكتيكية، وإدراك أن الانزلاق إلى صراع داخلي لن يخدم أحدًا، بل يفتح الباب أمام تفكك شامل وفوضى متعددة الجنسيات في منطقة تتقاطع فوقها المصالح والنزاعات.

 

إقرأ أيضاً: دمشق وواشنطن بعد سقوط الأسد: مسارات مفتوحة أم شروط مشروطة؟

إقرأ أيضاً: المبعوث الأميركي إلى سوريا: لا تقدم في محادثات دمج قسد

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

Comments (0)
Add Comment