نشرت DW الألمانية تحقيقاً عن تعرض نساء من أبناء الطائفة العلوية للخطف والابتزاز، والتعنيف اللفظي، وإليكم التحقيق كما ورد:
مرهقة وخائفة وهزيلة وبحاجبين محلوقين ووجه يحمل ندبات الأسابيع الماضية تنظر نورا إلى الكاميرا وطفلها الرضيع في حضنها. لقد عاد أخيراً بعد أن كان قد انتزع منها بوحشية. إنها صورتها الأولى بعد إطلاق سراحها. صورة انتشرت في السوشيال ميديا بين السوريين لتصبح رمزاً لكابوس يعذبهم: لماذا تتعرض نساء سوريات من الطائفة العلوية لهذا المصير؟
إقرأ أيضاً: خطف النساء في الساحل السوري: فدية، تهديد وطائفية في فراغ أمني
“ضرب وتعنيف يومي”
حوالي شهر بقيت نورا محتجزة في قبو شهدت فيه مختلف أصناف التعذيب الجسدي والنفسي، وفق إفادتها. شابة عشرينية وأم لرضيع لم يكمل العام، كانت في طريقها لاستلام حصة مساعدات غذائية بالقرب من مدينة جبلة على الساحل السوري عندما اعترض طريقها رجال ملثمون ومسلحون خرجوا من سيارة تحمل نمرة محافظة إدلب . سألوها عن خلفيتها الدينية، وعندما قالت إنها علوية، جروها بعنف إلى السيارة وعصبوا عينيها، وفق روايتها.
تتابع نورا وتروي قصتها في حوار مع DW “كنت أتعرض يومياَ للشتم والضرب المبرح حتى أفقد الوعي”. انتزع طفلها منها، وحاول الخاطفون إجبارها على توقيع أوراق، تبين لها لاحقاً أنها عقد قران لها على شخص لا تعرفه. تتابع نورا “بالطبع رفضت، فأنا متزوجة، وعندما رفضت أمعنوا أكثر في تعذيبي”.
وفي الوقت نفسه كان الخاطفون يرسلون صور نورا تحت التعذيب إلى عائلتها للضغط على العائلة وإجبارها على دفع فدية. في النهاية دُفعت الفدية وخرجت نورا من الاحتجاز، وهي الآن تعيش خارج سوريا في أمان، وتتلقى علاجاً طبياً لإصابات والتهابات في أعضائها التناسلية.
إقرأ أيضاً: صحيفة لوفيغارو الفرنسية: اختطاف وتزويج قسري لفتيات علويات في سوريا وسط تواطؤ وصمت رسمي
إهانة ممنهجة
قصة نورا ليست حالة فريدة، ولم تكن DW أول من كشف النقاب عن قضية خطف نساء علويات، بل نشرت وكالة رويترز وعدة وسائل إعلام عالمية أخرى تحقيقات عن هذه الظاهرة. منذ بداية العام الجاري تم تسجيل أكثر من أربعين حالة اختفاء لنساء سوريات، بحسب الناشط الحقوقي باسل يونس في مقابلة مع DW. من مقر إقامته في السويد يعمل يونس على توثيق الانتهاكات في سوريا بمساعدة شبكة من العاملين معه على الأرض. “الغالبية العظمى للنساء المختفيات تنتمي مثل نورا إلى الطائفة العلوية “؛ أي الطائفة التي تنحدر منها عائلة الدكتاتور المخلوع بشار الأسد . طائفة يكفرها بعض الإسلاميين المتطرفين لأسباب عقائدية بحتة. كما وتم تسجيل العديد من الاعتداءات الدموية على أفراد هذه الطائفة من قبل إسلاميين متشددين منذ سقوط نظام الأسد.
بالنسبة لباسل يونس فإن النساء المختطفات في هذا السياق لسن مجرد ضحية وقعت بالصدفة بيد شبكات إجرامية، بل إن “المرأة العلوية تستخدم هنا كسلاح حرب لفرض نوع من الإخضاع الرمزي والسياسي للطائفة بأكملها”. وفي شهادتها مع DW ذكرت نورا أنها كانت تتعرض للشتم الطائفي أثناء احتجازها “كانوا يقولون عنا خنازير وكفرة.”
توجهت DW إلى لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا بسؤال عما إذا كانت اللجنة قد سجلت حالات خطف واختفاء نساء علويات في سوريا، فأتى الجواب بأن اللجنة ستقدم قريباً تقريراً مفصلاً بالحالات التي رصدتها، وأشارت اللجنة إلى توضيح قدمه رئيسها باولو سيرجيو بينيرو أمام مجلس الأمن ذكر فيه أن اللجنة وثقت 6 حالات على الأقل، وأن لديها أدلة مقنعة حول عدد أكبر من ذلك من الحالات. كما وأضاف بينيرو إن السلطات المحلية في سوريا فتحت تحقيقات حول بعض هذه الحالات.
طلب DW لتصريح صحفي من جانب وزارة الداخلية السورية حول حالات اختفاء نساء علويات في سوريا لقي اعتذاراً من قبل الوزارة عن التعليق على الموضوع.
خلال عمليات بحث استغرقت 6 أسابيع تمكنت DW من التحدث مع 10 من العائلات المعنية أو الناجيات، كما وحصلت على أدلة مقنعة حول عدد أكبر من حالات الخطف. أغلب المعنيين يخشون التحدث إلى الإعلام، ويسيطر عليهم مزيج من الخوف والعار.
هجمات دموية في مارس الماضي
منذ أشهر يعيش العلويون في سوريا تحت ضغط هائل يصل حد التهديد الوجودي، حيث بدأت مجتمعاتهم تتعرض لاعتداءات وصفت من قبل السلطات بـ”الأعمال الفردية”. وفي مارس الماضي وبعد هجوم لبعض فلول نظام الأسد على نقاط لقوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة، تعرضت عشرات القرى والمناطق العلوية لهجمات دموية أدت لمقتل آلاف الأشخاص، بحسب تقارير إعلامية وحقوقية متطابقة، خلصت أيضاً إلى أن بعضاً ممن نفذ تلك الهجمات كان على صلة بحكومة دمشق الحالية. بعد أحداث مارس مباشرة عين الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لجنة لتقصي الحقائق وكشف ملابسات أحداث العنف، ومن المفترض أن تقدم اللجنة نتائجها في منتصف يوليو الجاري، بينما يعيش أبناء الأقليات الدينية تحت تهديد الخوف من تكرار أعمال العنف.
شبكات إجرامية متصلة مع الخارج
سامي* أيضاً واحد من القلائل الذين قبلوا بالتحدث إلى الإعلام بصراحة. الشاب المنحدر من بلدة بالقرب من مدينة طرطوس الساحلية تحدث إلى DW حول حالة خطف أخته إيمان* التي اختفت فجأة بعد ذهابها في رحلة اعتيادية إلى مدينة طرطوس. بعد اختفائها ببضعة ساعات تلقت العائلة اتصالاً من رقم عراقي، قال فيه المتصل “انسوا إيمان. إيمان لن تعود إليكم”.
مباشرة ذهبت العائلة لتحرير ضبط لدى الشرطة، فجاء رد الشرطة سريعاً: “الوضع العام في القرية آمن، وأغلب حالات اختفاء النساء تكون في الحقيقة لنساء هربن مع عشاقهن”.
رواية الشرطة لم تثبت طويلاً، فبعد أيام قليلة اتصل الخاطفون بعائلة إيمان وطالبوا بفدية باهظة. لم يكن أمام عائلة إيمان سوى استدانة المبلغ ودفع الفدية، كما طالب الخاطفون، بنظام الحوالة إلى مكتب في تركيا. DW اطلعت على وصول تحويل ووثائق شخصية لمستلمي الحوالات تثبت أنهم سوريون حاصلون على لجوء مؤقت في تركيا. كما واطلعت DW على وثائق مشابهة لتحويل فدية إلى تركيا في حالة خطف ثانية.
بعد دفع الفدية قطع الخاطفون الاتصال مع عائلة إيمان، التي ما زالت مختفية حتى لحظة إعداد هذا التحقيق.
هل تتعرض العلويات لمصير الإيزيدات؟
مايا*، 21 عاماً من قرية أخرى بالقرب من طرطوس تعرضت أيضاً للخطف هي وأختها القاصر. روت مايا في مقابلة مع DW أنها كانت مع شقيقتها في طريقهما لشراء بعض الأغراض للمنزل في مارس الماضي عندما اعترضت طريقهما مجموعة من المسلحين الملثمين. سئلت الأختان عن هويتهما الدينية، وعندما قالتا إنهما علويات، سحبتا بعنف إلى داخل حافلة من دون نمرة، وفق رواية مايا.
وتابعت مايا روايتها بأنه تم عصب عيونهما داخل الحافلة التي قطعت بهما رحلة استمرت لحوالي 3 ساعات، تعرضتا خلالها للتعنيف اللفظي والشتم. كان المسلحون داخل الحافلة يصفونهما بالكافرات و”الفلول” في إشارة إلى قوات موالية لنظام الرئيس السابق بشار الأسد قامت بالهجوم على نقاط لقوات الأمن التابعة للحكومة الحالية. وحسب هذه الرواية يحمل الخاطفون الفتاتين مسؤولية مقتل مئات المقاتلين الإسلاميين على يد فلول النظام السابق.
وضعت مايا وأختها في قبو طوال فترة الاحتجاز. قالت في حوارها مع DW “كنا خائفتين من أن يبيعونا كسبايا”.
ربما تولد الخوف لدى مايا وأختها من خلال بعض الإشاعات في وسائل التواصل الاجتماعي، وبعض التقارير الإعلامية، التي تحدثت عن سبي نساء علويات على يد مقاتلين إسلاميين متشددين على غرار ما حدث مع نساء أيزيديات على يد مقاتلي تنظيم داعش، خاصة وأن وزارة الدفاع في الحكومة الجديدة في دمشق تضم قياديين لديهم تاريخ مرتبط بالإتجار بالبشر، مثل العميد أحمد إحسان فياض الهايس الذي عيين قائداً في المنطقة الشرقية من قبل حكومة الشرع وهو في الوقت نفسه خاضع للعقوبات الأمريكية بسبب مجموعة تهم من بينها الإتجار بالسبايا الأيزيدات.
بسام الأحمد، المدير التنفيذي لمنظمة سوريون من أجل الحقيقة والعدالة قال في حوار مع DW “نحن لم نرصد حتى الآن أدلة تثبت تعرض النساء العلويات للسبي كما كان يحدث مع الأيزيديات”. ويضيف الأحمد بأن هناك رغم ذلك ظاهرة مثيرة للقلق وهي ارتباط الهجوم والخطف بالهوية الدينية: “النساء العلويات يتعرض للاستهداف بسبب دينهن، وهذا قاسم مشترك واضح مع حالة الأيزيديات”. إضافة لذلك يرى الأحمد أن المجتمع العلوي في سوريا يتم تحميله بشكل جماعي مسؤولية جرائم نظام الأسد، وهذا برأيه لب المشكلة.
في النهاية عادت مايا وأختها إلى عائلتهما، ومن غير الواضح كيف ولماذا. فبعد شهرين من اختطافهما أعيدتا إلى منزلهما في منتصف الليل، منقبتين وخائفتين، وبصدمة لم تتعافيا منها حتى الآن. نجت مايا وأختها إذا، بينما عشرات العلويات ما زلن رهن الاختطاف.
*تم تغيير الأسماء حفاظا على سلامة الضحايا وذويهم وحماية للخصوصية، بحسب DW .
إقرأ أيضاً: رويترز: نساء علويات يُختطفن من شوارع سوريا
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب