تتسارع الجهود الحكومية في سوريا لتعزيز وضع الطاقة في البلاد، عبر تنويع مصادر الإمداد وتفعيل مسارات متعددة، في محاولة لتخفيف حدة أزمة الكهرباء التي تؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية والقطاعات الاقتصادية. تعمل وزارتا الكهرباء والنفط والثروة المعدنية بشكل وثيق على مشاريع استيراد الغاز الطبيعي وتفعيل الربط الكهربائي مع دول الجوار، بهدف تحسين التغذية وتقليل الاعتماد على المصادر المحلية المتضررة.
وأكد المهندس خالد أبو دي، المدير العام لمؤسسة نقل وتوزيع الكهرباء في سوريا، أن العمل جارٍ لمتابعة مشاريع استيراد الغاز الطبيعي، بالتوازي مع معالجة المشكلات الفنية في شبكات الربط الكهربائي مع الدول المجاورة. وأوضح أن سوريا تتقدم بخطوات سريعة نحو تعزيز أمنها الطاقي، رغم التحديات التقنية، المالية، والجيواستراتيجية المعقدة، وذلك في تصريحات لمنصة “الطاقة” المتخصصة.
وفيما يخص مشروع استيراد الغاز من قطر، الممول من صندوق قطر للتنمية، لا تزال عمليات الضخ عبر الأراضي الأردنية متوقفة. يعود السبب الرئيسي إلى عدم توفر عمليات التغويز اللازمة في محطات الاستقبال، مما أثر على تدفق الغاز بعد الشحنات الأولية التي وصلت مطلع العام. الحل المطروح حاليًا هو إجراء التغويز في مصر، ثم إعادة ضخ الغاز عبر شبكة الغاز العربي التي تمر بالأردن وصولًا إلى سوريا، لحين استكمال بناء محطة التغويز في الأردن لضمان استيراد مستقر.
كانت سوريا قد بدأت في 13 مارس 2025 استلام أولى وارداتها من الغاز القطري بكمية يومية بلغت مليوني متر مكعب عبر خط الغاز العربي، وتم توجيهها لمحطات توليد الكهرباء.
مفاوضات لزيادة الغاز القطري وبدء الضخ من تركيا قريبًا
كشف أبو دي عن مفاوضات جارية مع الجانب القطري لزيادة كمية الغاز اليومية لتصل إلى أربعة ملايين متر مكعب. ومع ذلك، ما زالت هذه التفاهمات في مراحلها الأولية ولم يتم توقيع اتفاقيات ملزمة بعد، نظرًا للتعقيدات اللوجستية والتمويلية.
تتجه الأنظار أيضًا إلى مشروع استيراد الغاز من تركيا، الذي يكتسب أهمية استراتيجية لقربه الجغرافي وتوفر البنية التحتية المشتركة. أشار أبو دي إلى أن الاتفاق في هذا المسار مرتبط بجهوزية خط الربط الذي تم إنجاز تنفيذه. ومع ذلك، كشفت اختبارات التشغيل الأولية عن مشكلات تقنية في الشبكة السورية، مما استدعى أعمال صيانة شاملة.
وأكد أنه من المتوقع إتمام أعمال الصيانة خلال يومين، لتبدأ بعدها عمليات الضخ التجريبي، والتي ستوجه إلى محطة توليد الكهرباء في حلب، التي تعد محورًا رئيسيًا لشبكة التغذية الكهربائية في شمال البلاد.
استبعاد خيارات بديلة وتوسيع الربط الكهربائي
فيما يتعلق بالخيارات البديلة مثل سفن توليد الكهرباء العائمة، تم استبعاد هذا الخيار حاليًا بسبب ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة مقارنة بخيارات الربط الأرضي. شدد أبو دي على أن استيراد الغاز عبر الأنابيب يظل أكثر جدوى اقتصادية، خاصة مع الجاهزية الفنية الكاملة لشبكات الربط.
تشير المعلومات إلى أن تركيا تخطط لتزويد سوريا بـستة ملايين متر مكعب من الغاز يوميًا، بالإضافة إلى ألف ميغاواط من الكهرباء، ضمن شراكة طاقية تسعى أنقرة ودمشق لتطويرها. ومن المتوقع أن يدخل مشروع ربط خط 400 كيلوفولت، الذي سيشكل العمود الفقري للربط الكهربائي بين البلدين، الخدمة بحلول نهاية العام الجاري.
على صعيد آخر، يجري العمل على توسيع نطاق الربط الكهربائي مع الأردن، وزيادة القدرة التبادلية بين البلدين إلى نحو 300 ميغاواط، بهدف تغطية جزء من العجز الكهربائي في سوريا. وقد ناقش وزير الطاقة الأردني صالح الخرابشة هذا الملف مع نظيره السوري في عمان، حيث استعرضا إمكانيات التعاون الثلاثي بين الأردن وقطر ومصر لتزويد سوريا بالغاز لتوليد الكهرباء.
تعكس هذه التحركات السورية المتعددة سعي البلاد لتجاوز التحديات في ملف الطاقة، خاصة مع تصاعد الضغوط الشعبية والاقتصادية نتيجة لانقطاع التيار الكهربائي المتكرر. ومع ذلك، سيبقى تحقيق نتائج ملموسة رهنًا بعدة اعتبارات، أبرزها استقرار العلاقات السياسية مع دول العبور، وتجاوز العقبات القانونية واللوجستية، وتأمين مصادر تمويل كافية في ظل محدودية الموارد المحلية والعقوبات.
إقرأ ايضاً: الأردن وسوريا يبحثان تعزيز التعاون في مجال الطاقة والمياه بدعم من البنك الدولي
حساباتنا: فيسبوك تلغرام يوتيوب