سوريا تعزز موقعها الإقليمي: اتفاق ترانزيت جديد يلغي الإجراءات التقليدية

تشهد المؤشرات الاقتصادية السورية تحسنًا تدريجيًا، مع توقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1% هذا العام. هذا النمو، وإن كان متواضعًا بمعايير عالمية، يشير إلى تحول ملحوظ بعد سنوات من الانكماش، ويعكس جهودًا حكومية لإحياء الدورة الاقتصادية عبر فتح ممرات تجارية وتوسيع التعاون الإقليمي والدولي.

اتفاق تجاري نوعي ينهي نظام الترانزيت التقليدي

كشفت مصادر حكومية عن توقيع اتفاق تجاري نوعي سيحدث نقلة نوعية في مشهد النقل الإقليمي. هذا الاتفاق يلغي نظام “الترانزيت” التقليدي عند المعابر الحدودية، الذي كان يلزم الشاحنات بتفريغ حمولاتها وإعادة شحنها عند الحدود السورية.

بموجب الاتفاق الجديد، ستتمكن الشاحنات والبضائع من المرور مباشرة عبر الحدود السورية باتجاه دول الخليج العربي (الأردن، السعودية، الإمارات، وقطر) انطلاقًا من الأراضي التركية. تُعد هذه الخطوة بداية لإحياء محور النقل البري الدولي، وتعزز موقع سوريا كجزء لا يتجزأ من الشبكات اللوجستية الإقليمية.

سوريا تعود كبديل استراتيجي في “الممر الأوسط”

لا تقتصر أهمية هذا الاتفاق على تنشيط التبادل التجاري بين سوريا وتركيا فحسب، بل تتجاوزه إلى إدماج سوريا مجددًا في ما يُعرف بـ**”الممر الأوسط”**. هذا الممر يربط الصين ووسط آسيا بأوروبا عبر تركيا، متجاوزًا الأراضي الروسية.

يُعد “الممر الأوسط” بديلًا استراتيجيًا للممرات التقليدية، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية التي أثرت على فعالية الممر الشمالي عبر روسيا وأوكرانيا. عودة سوريا لتكون جزءًا من هذا المسار يعني استعادة دورها التاريخي كـممر إجباري بين الشرق والغرب، مما يمنحها وزنًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا كبيرًا.

تفعيل الشراكة التركية السورية في النقل البري

في مؤشر على تفعيل هذه الشراكة، أعلنت الهيئة العامة للموانئ البرية والبحرية في سوريا أواخر حزيران/يونيو عن توقيع مذكرة تفاهم مع وزارة النقل والبنية التحتية التركية. تنص المذكرة على تفعيل التعاون الثنائي في مجال النقل البري الدولي للركاب والبضائع وتسهيل حركة مرور الشاحنات عبر المعابر البرية.

يتضمن الاتفاق إلغاء إجراءات الترانزيت التقليدية، مما يتيح نقل البضائع مباشرة من الأراضي التركية إلى الداخل السوري ومنها إلى دول الخليج، دون الحاجة لإعادة شحن الحمولات عند الحدود. هذا الإجراء يوفر الوقت والجهد ويقلل التكلفة اللوجستية بشكل كبير.

إحياء الشرايين التجارية والبنية التحتية

يأتي هذا الاتفاق تتويجًا لمباحثات فنية استمرت لشهور، بهدف إعادة تفعيل اتفاق النقل البري الدولي الموقع عام 2004، والذي جُمد العمل به بسبب تداعيات الحرب والانقطاع الدبلوماسي بين دمشق وأنقرة. مع إعادة فتح قنوات التنسيق، تتجلى الإرادة السياسية والاقتصادية المشتركة في تفاهمات عملية، مدفوعة بحاجة الطرفين إلى إنعاش شبكات التجارة المتضررة.

يُنظر إلى الاتفاق الجديد على أنه نقلة كبيرة في البنية التحتية للتجارة السورية، خاصة وأنه تزامن مع دخول أولى الشاحنات التركية إلى الأراضي السورية عبر معابر حدودية محددة. كما يشمل الاتفاق أعمال صيانة وتأهيل محاور الطرق الحيوية مثل الطريقين الدوليين M4 وM5، اللذين يشكلان الشريانين الرئيسيين لنقل البضائع من الشمال السوري إلى وسط البلاد وجنوبها، وصولًا إلى معبري البوكمال ونصيب، ومنهما إلى دول الخليج.

وصف مسؤول في قطاع النقل هذا الاتفاق بأنه “نعمة اقتصادية”، لما يوفره من مرونة وسرعة في حركة السلع، وتكامل في سلاسل الإمداد الإقليمية. يمثل فتح هذه المعابر أمام حركة البضائع المباشرة إحياء لـ”الشرايين التجارية” التي ظلت معطلة لسنوات بسبب الحصار والعقوبات.

تحولات تدريجية ودور محوري مستعاد

يكتسب هذا التطور أهمية خاصة في ضوء الجهود السورية الأوسع لإعادة بناء منظومة النقل والتجارة الإقليمية، عبر استعادة موقع سوريا كممر رئيسي يربط آسيا بأوروبا. لطالما كان الموقع الجغرافي لسوريا عاملًا حاسمًا في اقتصادها، حيث كانت تمر عبر أراضيها عشرات الآلاف من الشاحنات سنويًا متجهة من تركيا وإيران إلى الأردن والسعودية ودول الخليج. مع تهيئة البنية التشريعية والتقنية، تسعى دمشق إلى استعادة هذا الدور المحوري، ليس فقط لتحقيق مكاسب مالية مباشرة، بل لفرض نفسها من جديد كلاعب اقتصادي أساسي في معادلات المنطقة.

على الرغم من أن هذه الخطوات ما تزال في بدايتها وتواجه عراقيل سياسية وأمنية معقدة، إلا أن القراءة الواقعية تشير إلى تحولات تدريجية في المزاج الإقليمي والدولي، سمحت بإعادة التفكير في كيفية توظيف سوريا في مشروع إحياء ممرات التجارة، دون انتظار حلول سياسية شاملة.

تأمل الحكومة السورية أن تنعكس هذه الاتفاقيات على مؤشرات الاقتصاد المحلي، من خلال تحفيز قطاع النقل والخدمات اللوجستية، وتشجيع الاستثمارات في البنية التحتية، وتعزيز الموارد المالية من رسوم العبور والضرائب. ومن المتوقع أن تتوسع هذه الجهود لتشمل الموانئ البحرية في اللاذقية وطرطوس، مما يتيح تنسيقًا أوسع بين خطوط النقل البري والبحري، وبالتالي إعادة سوريا إلى خارطة التجارة الدولية الفعالة.

إقرأ ايضاً: الاقتصاد السوري: تفاهمات بمليارات الدولارات.. متى تتحول إلى واقع؟
حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

"التبادل التجاري ولوجستيات النقل بين الأردن وسوريا"الاقتصاد والتجارة الخارجيةترانزيتسوريا
Comments (0)
Add Comment