دمشق بلا ماء: بين مناخ متحوّل واحتلال اسرائيلي لأعماق الأرض

داما بوست -خاص

لم تعتد دمشق أن تتحدث عن الماء كأزمة. المدينة التي عاشت على ضفاف نبع بردى، وشربت من ينابيع الفيجة لقرون، أصبحت اليوم تُقنّن استهلاكها من قارورة بلاستيكية. لكنها لا تُقنّن فقط لأنها تستهلك أكثر مما ينبغي، بل لأنها أصبحت في قلب معادلة شائكة تجمع بين الجفاف، والانحباس الحراري، والاحتلال الإسرائيلي لجبل الشيخ.

ورغم أن الكثير من التحليلات السياسية تُغفل هذه الحقيقة، إلا أن أزمة المياه في سوريا ليست فقط نتاج الحرب والتدمير، بل نتيجة مباشرة لصراع على منابع الحياة نفسها.

 

جبل الشيخ: حين يُحتل الماء

جبل الشيخ، بثلوجه المتراكمة وصخوره الكلسية، ليس مجرّد مرتفع استراتيجي، بل هو خزان طبيعي ضخم. من هناك تبدأ رحلة الماء، حيث تتسرب الثلوج والمطر إلى باطن الأرض، لتغذي نبع الفيجة في وادي بردى – المصدر الرئيسي لمياه دمشق.

اليوم، وبعد أن أصبح جزء كبير من جبل الشيخ تحت الاحتلال الإسرائيلي، لم يعد النبع حرًّا. بل بات مهددًا في أعماقه، حيث تقوم “إسرائيل” – بحسب دراسات ومراقبين – بحفر آبار عميقة في السفوح المحتلة، وسحب المياه الجوفية قبل أن تتجه نحو الأراضي السورية.

من دون إطلاق رصاصة، وبهدوء تام، يُعاد توجيه المياه إلى الداخل الإسرائيلي، بينما ينخفض منسوب نبع الفيجة عامًا بعد عام. دمشق لا تُجفف من الخارج فقط، بل تُختنق من تحتها.

حسب الخبيرة المناخية د. ليلى مراد، “ما نراه اليوم في سوريا هو نتيجة مباشرة لتغير مناخي حاد. جبال القلمون التي كانت تسهم جزئيًا في تغذية نبع الفيجة، تعاني منذ سنوات من تراجع شديد في الهطولات. درجات الحرارة ترتفع بشكل مطّرد، والثلوج لا تصمد كما كانت، مما يقلل فعالية التغذية الجوفية”.

وترى مراد أن الأزمة الحالية لا يمكن حصرها في العامل الطبيعي فقط، بل في تداخل عوامل متسارعة: تغيّر المناخ، انهيار البنية البيئية، واحتلال المرتفعات التي تُعد أعلى قمة في النظام الهيدرولوجي السوري.

إقرأ أيضاً: مسار التطبيع بين سوريا وإسرائيل بعد سقوط الأسد.. واقع أو تمهيد

التغير المناخي: الجفاف يضرب جبال القلمون

في موازاة هذا التهديد، لا يمكن إغفال عامل آخر: التغير المناخي. جبال القلمون الغربية، التي كانت تساهم بشكل جزئي في تغذية نبع الفيجة، أصابها الجفاف بشكل متواصل في السنوات الأخيرة. ارتفاع درجات الحرارة، قلة الهطولات المطرية، وتراجع الثلوج الموسمية، كلها عوامل ساهمت في تقليص التغذية الطبيعية للينابيع.

وهكذا، أصبح جبل الشيخ المصدر الحيوي الوحيد المتبقي لتغذية نبع الفيجة. ومع وقوع هذا المصدر تحت سيطرة الاحتلال، باتت دمشق محاصرة مائيًا، لا بفعل الحصار الاقتصادي فقط، بل نتيجة تجفيف ممنهج للموارد.

إقرأ أيضاً: دمشق تواجه العطش: أزمة المياه تتفاقم والمسؤولون يحذّرون من الأسوأ

هل نحن أمام أزمة مياه… أم أمام خطر وجودي؟

في الوقت الذي تنشغل فيه المؤسسات المعنية بحلول مؤقتة كحفر الآبار العشوائية أو نقل المياه بالصهاريج، يغيب التخطيط الاستراتيجي لمواجهة هذا التهديد المركّب. الصمت الرسمي إزاء ما يحدث في جبل الشيخ يُثير القلق. فالماء ليس ترفًا، بل حق إنساني وأساس لبقاء المدن.

إذا استمر هذا التجاهل، فإن دمشق قد تواجه أزمة وجودية حقيقية، لا يمكن احتواؤها بمزيد من الخزانات أو حملات التوعية، بل تحتاج إلى إستراتيجية وطنية شاملة: تشمل إدارة الموارد، التحرك السياسي، وتفعيل الدبلوماسية البيئية، بالإضافة إلى وعي شعبي يعتبر أن الماء قضية سيادة، لا مجرد خدمة عامة.

اقرأ أيضاً: أزمة مياه دمشق: الواقع يفرض حلولاً تتجاوز الترقيع

هل نملك ترف الانتظار؟

في النهاية، الماء ليس مجرد خدمة عامة. هو حق، وسيادة، ووجود. الاحتلال الذي يسحب المياه من تحت الأرض لا يحتاج إلى إعلان حرب، لأنه ببساطة يُخرس المدن دون طلقة.

سوريا، كما يراها كثيرون اليوم، تعيش تحت ضغوط اقتصادية خانقة، لكنها أيضًا تعيش حرب مياه صامتة. وإذا استمر الصمت، فقد نصحو على مدينة لا ينقصها الخبز أو الكهرباء فقط، بل ينقصها الماء… منبعه، ونبضها، وقلبها القديم.

 

إقرأ أيضاً: سد الفرات يفقد 5.5 مليار متر مكعب من مياهه وسط تحذيرات من توقفه عن العمل

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

جبل الشيخدمشق بلا مياه
Comments (0)
Add Comment