استأصلوا عينها وقالوا إنها لن تنجو.. “رند السامرائي” انتصرت على الحياة أخيراً

داما بوست | غدير إبراهيم

“عليكم أن تفقدوا الأمل.. لن تعيش” هذا ما قاله الأطباء لعائلتي بعدما استأصلوا عيني اليسرى، وتسبب خطأ طبي بأذية للشبكة في عيني اليمنى، بهذه العبارات بدأت “رند السامرائي” رواية قصتها لـ “داما بوست”، التي بدأت بعد عشرين يوماً من ولادتها عام 1998 ولم تنته حتى يومنا هذا.

الألم بدأ عند “رند” وعمرها لا يتجاوز الشهر، شخّص الأطباء إصابتها بسرطان في شبكية العين، ما اضطرهم لإجراء عمل جراحي إسعافي كي لا ينتقل إلى العين الأخرى أو الدماغ، إلا أن خطاً طبياً تسبب بأذية الشبكية في عينها اليمنى، ما أجبر الأطباء على إعلان هزيمتهم أمام حالتها، وحاولوا إقناع العائلة بأنها لن تنجو بعد خضوعها لعدة جلسات بالعلاج الكيميائي.

المستحيلُ ممكناً:
بالإيمان فقط يبقى المستحيل ممكناً هكذا عبّرت “رند السامرائي” لـ “داما بوست” خلال الحديث معها وأضافت.. “قدمت عائلتي أوراق المرض إلى أحد المستشفيات في بريطانيا، واستقبلت المشفى الحالة، لكن البروفيسور أخبر عائلتي أنهم مسؤولين عن جميع التكاليف المترتبة، وبدأنا بالعلاج بالجرعات الكيماوية والإشعاع، وبعد 14 جلسة أخبرنا الدكتور أنه لا يوجد “أمل”، فالورم لن يصغر أبداً، والمبالغ المالية تدفع دون تحسن، رفضوا أهلي هذا الكلام وأخبروا الطبيب بالاستمرار في العلاج إيماناً بالله بأن تحصل معجزة تغير الحال”.

وبالفعل هذا ما حصل تضيف “رند”.. “عند الجلسة 15 بدأ الورم بالتضاؤل، وبحلول الجلسة 21 كان الورم قد اختفى تماماً، عندها أخبر البروفيسور عائلتي أن الإيمان الذي لديكم جعل ابنتكم تُشفى من المرض، وأنها أول حالة بهذه الخطورة تقلب الموازين جميعها بين جلسة والأخرى”.
وبعد مرور سنتين بين الذهاب لبريطانيا والعودة لسورية، قال البروفيسور أن هنالك شيئاً يود إخباره لعائلتي هو أنني أرى كل شيء، لم يصدقوا هذا، فقام البروفيسور برمي “باكيت دخان” وحرك يده بإشارة تعني “أعطني إياها” وأنا فعلت ما طلب، أخبرني والدي حينها أنه من شدة فرح البروفيسور صار يصرخ بلغته طبعاً “يالله يالله”، حسب روايتها.

وقالت “السامرائي” إنه رغم تقاعد البروفيسور الذي عالج مرضي إلا أنه أوصى الطبيب البديل بحالتي وطلب منه الاهتمام، وكان الفحص النهائي في عمر الـ 18 حيث أكد البروفيسور أنه الآن يمكننا القول وداعاً ” للسرطان” ولم يكن هنالك فقدان كامل للبصر بل كنت أرى الضوء والخيال والألوان لكن مجسمات فقط دون تفاصيل”.

الحكاية لا تنته دون أثر:
ورغم أن حوارنا معها كان عبر “واتسآب” إلا أن “رند” كانت تتفاعل معنا بشكل أثار فضولنا لمعرفة قدرتها على القراءة والكتابة فقالت.. “تعلمت هذا في مدرسة مختصة، وهي آلية اللمس بالأزرار النافرة، وعن طريق الناطق وقارئ الشاشة، فالحاسوب كان منهجاً لدينا من الصف الثالث، هذا الشيء مع حالتي الصحية جعلني أنظر لها من ناحية إيجابية بقدرتي على تقديم ما أحب أفضل من الكثيرين”.

ولم يكن الشفاء من المرض يضاهي رغبتها في تحقيق حلمها بأن تصبح كاتبة على المستوى العالمي، ما دفعها لتحدي نفسها وعدم قدرتها على الرؤية التامة، وتروى في هذا السياق لـ “داما بوست” عن إنجازها المهني.. “قمت بتأليف 4 كتب، كان أولها “آلام وآمال” والذي تحدثت فيه عن الكفيف والاستفسارات التي تواجهه من الناس بالإضافة لعدة موضوعات مفصلية في حياته، وألّفت رواية “كلمة كالسيف أثراً” تحدثت فيها عن المرأة بقصص واقعية، السير خلف عواطفها نتائجها وسلبياتها، وصولاً إلى حديثي الطلاق والتضحية”.

وحتى الأطفال كان لهم حصة من كتابات “السامرائي” حيث ألفت كتاب “سلام وسليم في الشهر الكريم” وهو كتاب تعليمي للأطفال من ضمن 4 شخصيات أساسية في الكتاب، وأما كتابها الأخير كان “تأملات وتساؤلات” والتي تتحدث فيه عن قصص واقعية من حياتها، كيف تجاوزت التجارب، عن خواطرها وأسئلة تراود القراء.

العطاء بلا حدود:
“إن كمية الاستهزاء والتنمر التي تعرضت لها، من خلال توجيه الكلام بأنني لن أنجح، ولن أكون قادرة على كتابة حرف حتى، هو الدافع إلى ما وصلت إليه الآن”.. جملة تشرح فيها رند كيف استثمرت خبرتها في تجاوز المحن والتجارب القاسية التي مرت خلالها، في مساعدة الآخرين، حيث تتطوع لتعليم الأطفال المكفوفين كيفية استخدام الحاسب والموبايل، ولا تتردد في التعبير عن رغبتها بالعمل في مجال “الدوبلاج” لامتلاكها قدرة على تغيير صوتها وتقليدها لصوت الأطفال، وكذلك استمرارها في تعلم الموسيقى.

وتبدو قصة “رند” التي تبلغ من العمر الآن 25 عاماً كرسالة ودرس في آن معاً، جوهره جملة واحدة “رغم امتلاكنا للبصر لكن غالباً ما نفتقد للبصيرة، نعم قد ترى ما تنظر إليه بوضوح، لكنك لن تفهمه مالم تنظر إليه من الداخل” الشيء الوحيد الذي دفع “رند” للانتصار على “السرطان” وفقدان البصر كان الإيمان انطلاقاً من العائلة، وانعكس عليها رضى وقناعة بأن مرضها سيكون فرصتها للنجاح.

أملبريطانياتنمرحوارسرطانسوريةعربكتابةكفيفةمرض
Comments (0)
Add Comment