بين المداهمات جنوبًا والحملات شرقًا: هل يتشكل تنسيق أمني سوري – “إسرائيلي”؟

داما بوست -خاص

تعيش سوريا خلال الأيام الأخيرة على وقع تطورات أمنية متسارعة، توزعت بين ريف القنيطرة جنوبًا ومحافظة دير الزور شرقًا، وشملت مداهمات واعتقالات قامت بها جهات مختلفة، في توقيت متزامن يثير الانتباه، خاصة مع الحديث عن قنوات اتصال أمنية غير معلنة بين دمشق و”تل أبيب”، ومساعٍ أميركية لتوسيع رقعة التنسيق الإقليمي.

في ريف القنيطرة، أفادت مصادر محلية بأن قوات الاحتلال الإسرائيلي نفذت، فجر الإثنين، حملة دهم واعتقال في مزارع بلدة سويسة، أسفرت عن توقيف ثلاثة مدنيين، بينهم طفل في الرابعة عشرة من عمره، المعتقلان هما أحمد عبد الحميد وعدنان عبد الحميد الكربان من بلدة الدواية، والطفل هو مروان شادي القربان. التحركات العسكرية سبقت عملية الاعتقال، وشملت توغلًا بريًا قرب بلدتي نبع الصخر ومجدوليا، وتفتيشًا لأحد المواقع العسكرية في محيط المزارع.

“الجيش الإسرائيلي” علّق على هذه العملية باتهام المعتقلين بالانتماء إلى خلية تابعة لـ”فيلق القدس”، في تكرار لسيناريو مشابه حدث مطلع تموز/يوليو، حين أعلن جيش الاحتلال تنفيذ عملية توغل جنوب سوريا واعتقال أفراد وصفهم بـ”المرتبطين بإيران”، قبل أن يعود ويطلق سراحهم بعد ساعات.

في المقابل، شهدت محافظة دير الزور تحركًا ميدانيًا ذا طابع مشابه، بتقاطع لافت في التوقيت والمضامين. إذ أعلنت وزارة الداخلية السورية، عبر تصريح رسمي لقائد الأمن الداخلي في دير الزور، العقيد ضرار الشملان، انتهاء المرحلة الثانية من حملة أمنية في مدينة البوكمال وريفها. وشملت الحملة اعتقال أكثر من خمسين شخصًا، من بينهم متهمون بالارتباط بـ”الحرس الثوري الإيراني”، وفق تصريح الشملان.

مصادر إعلامية في دير الزور، قالت إن “الفوج 47” تشكل في نهاية عام 2017، في منطقتي السكرية والحمدان، وذلك بعد هزيمة داعش في المنطقة، بدعم مباشر من الحرس الثوري”، ووفق ما ذكره الشملان، فإن التوقيفات جاءت بعد ثبوت تورط عناصر هذا الفوج في “ممارسات خارجة عن القانون”، شملت الامتناع عن تسليم السلاح، والاعتداء على المواطنين، والتخلف عن مراجعة مراكز التسوية.

هذه العمليات الأمنية، بتزامنها وتداخل ملفّاتها، تفتح الباب أمام تساؤلات جادّة حول طبيعة المرحلة الحالية، واتجاهات السياسة الأمنية في سوريا بعد التحولات السياسية التي طرأت على البلاد منذ أواخر 2024.

تزامن ميداني أم توافق أمني؟

التحرك الإسرائيلي جنوبًا لم يعد مقتصرًا على عمليات رصد أو استهدافات جوية متفرقة، بل بات يشمل توغلات برية واعتقالات ميدانية. وفي الوقت نفسه، تشرع السلطات السورية في دير الزور بحملات أمنية ضد أفراد ووحدات مرتبطة بطهران حسب تعبير وزارة الداخلية السورية.

بعيدًا عن فرضية “التنسيق المباشر”، فإن مراقبين يشيرون إلى وجود تقاطع في المصالح الأمنية، خاصة مع تصاعد الضغوط الأميركية لتقليص نفوذ الجماعات غير المنضبطة، وإعادة ضبط المشهد الأمني بما يتوافق مع شروط التسوية التي يجري إعدادها للمنطقة.

موقع “والا” الإخباري الإسرائيلي تحدّث مؤخرًا عن “محادثات غير معلنة” بين دمشق و”تل أبيب”، قد تمهد الطريق لترتيبات أمنية مستقبلية، دون أن تصل بعد إلى مرحلة التطبيع السياسي. بدوره، نقل موقع “أكسيوس” عن مسؤول في إدارة ترامب استعداد الولايات المتحدة للعب دور الوسيط في اتفاق أمني جديد بين الطرفين، شريطة التقدم في ثلاثة ملفات رئيسية: كبح المجموعات المتشددة، تطبيع تدريجي مع “إسرائيل”، وضبط الفصائل الفلسطينية المسلحة.

التغيير في مقاربة دمشق

تشير العمليات الأمنية التي نُفذت في دير الزور والميادين إلى تحول في مقاربة السلطة الانتقالية تجاه الملفات الأمنية العالقة، خاصة في المناطق التي كانت حتى وقت قريب تُعرف بنفوذ مجموعات مرتبطة بإيران. فاستهداف مقار كانت تُستخدم سابقًا من قبل “الفوج 47″ ومداهمتها، يعكس توجّهًا لإعادة فرض السيطرة المركزية، وتنظيم العلاقة بين دمشق و”تل أبيب”.
ويرى مراقبون أن هذه الإجراءات تأتي ضمن مسار التنسيق الأمني غير المعلن لإعادة هيكلة المشهد بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة، ويعزز من فرضية ما نشره رجل الأعمال الأمريكي البارز جوناثان باس المقرب من الرئيس ترامب بعد اللقاء الذي جمعه بالرئيس السوري للمرحلة الانتقالية أحمد الشرع مؤخرا بالعاصمة دمشق حين قال” قال لي الشرع نحن و”إسرائيل” لدينا أعداء مشتركون.”

بين السيادة والتوازنات

يجد كثيرون صعوبة في تفسير هذا التقاطع الميداني دون الربط بمستوى أعلى من التفاهمات، حتى لو لم تصل بعد إلى إعلان رسمي أو اتفاق مكتوب. فطبيعة التحركات، وتوقيتها، ونوعية المستهدفين، كلها تشير إلى وجود خيوط تنسج بصمت لرسم ملامح توازن أمني جديد، خاصة على طول الحدود الجنوبية لسوريا، وفي مناطق التماس مع العراق.

الأسئلة الأهم تبقى مفتوحة: هل نحن أمام بداية شراكة أمنية غير معلنة؟ وهل تنجح دمشق في التوفيق بين سيادتها الوطنية، وتحديات النفوذ الخارجي الذي تشكّل عبر سنوات النزاع؟ وما موقع طهران من هذه التطورات؟

ختامًا، تظل هذه التحركات مفتوحة على احتمالات متعددة، لا يُمكن حسمها اليوم، لكن ما يبدو واضحًا أن المرحلة الحالية تشهد تقاطع مصالح بين أطراف متعددة داخل سوريا، وأن ما يجري على الأرض قد يُمهّد لتفاهمات أكبر، تُرسم خطوطها بهدوء، من جنوب القنيطرة حتى البوكمال.

 

إقرأ أيضاً: إسرائيل تفرض واقعًا جديدًا في الجنوب السوري.. وصمت حكومي يثير الغضب الشعبي

إقرأ أيضاً: جيش الاحتلال الإسرائيلي: اعتقلنا خلية إيرانية في الجنوب السوري!

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

إسرائيلالبوكمالالقنيطرةدرعادير الزورسوريا
Comments (0)
Add Comment