سنة على الحرب.. كيف تؤثر مشاهدها على صحتنا النفسية؟

داما بوست – مارينا منصور| خوف.. شعور بالذنب.. وانشغال دائم بالتفكير بما سيحصل.

لا شك أن هذا حال الكثيرين وسط الأحداث الحالية، والخوف المرتقب من الحرب، خصوصاً مع مشاهد الحرب والدمار التي نراها كل يوم، فكم نتأثر بهذه المشاهد؟ وكيف يمكن أن نحافظ على صحتنا النفسية خلال الحرب؟

بيّنت الاختصاصية النفسية رانيا مهنا في حديث خاص لـ”داما بوست” أن ما يعيشه الأشخاص في ظل اشتعال الحروب من تهديد بالموت، أو تعرّض للإصابات الجسدية والعنف، أو فقدان الأهل وتدمير المنازل والممتلكات، أو التهجير والعيش في ظروف قاسية، يعرّضهم للإصابة بصدمة نفسية أو صدمة حرب.

وأوضحت مهنا أن هذه الأزمة لا تقتصر على الأشخاص الذين يعيشون الحرب في الواقع، بل حتى مشاهدة أحداث الحرب يمكن أن تؤثر جداً على نفسيّتنا وتُحدث ما يسمى بصدمة ثانوية.

ما هي الصدمة النفسية “صدمة الحرب”؟

وأشارت الاختصاصية النفسية إلى أن صدمة الحرب هي الاستجابة العاطفية التي تحدث بعد التعرّض مباشرة لأحداث مؤلمة تفوق قدرة الشخص على تحملها والتكيّف معها، فيفقد معها الشعور بالأمان وتسيطر عليه مشاعر العجز وقلّة الحيلة، وأحياناً يُصاب بحالة من الذهول أو الإنكار.

وأضافت: “تتجلى الاستجابة العاطفية في صورة خوف وذعر وقلق، وأحياناً ارتباك أو صعوبة بالتركيز أو غضب أو سرعة استثارة أو شعور بالذنب.”

وبالنسبة للأطفال، ذكرت مهنا أنه يمكن أن تظهر لديهم علامات الصدمة من خلال طريقة ونوعية لعبهم، لعدم قدرتهم على التعبير بشكل واضح عما يحدث بداخلهم، أو عن طريق الرسم أو حتى عن طريق الكوابيس أو النقوص بالتطور، أي يعود الطفل لمرحلة سابقة كعودة التبول اللا إرادي، أو يقوم بحركات تعبر عن مرحلة سابقة من مراحل النمو.

ما هي الأعراض التي تدفع للجوء إلى مختص نفسي؟

أكدت الاختصاصية النفسية أن الأعراض قد تكون مستمرة لأسابيع أو لأشهر دون وجود تحسّن، وتتجلى هذه الأعراض بما يلي:

  • أعراض اقتحامية، أي أن الشخص يستعيد الذكريات المؤلمة مع الشعور بالخوف.
  • الشعور بالخوف الشديد من تكرار معايشة الحروب “قلق المستقبل”، أي يعاني المصاب من الانشغال الدائم أو الخوف من تكرار معايشة أحداث الحرب مرة أخرى.
  • الأعراض التجنبية، أي تجنب المواقف والأماكن التي تحيي ذكريات الحرب المؤلمة، أو تجنب أشخاص معينة أو أدوات معينة أو حتى روائح معينة.
  • قد تترافق هذه الأعراض مع أعراض اضطراب الصدمة، أو الاكتئاب والشعور بالحزن وفقدان الطاقة، والشعور بعدم القيمة واليأس، وقد يصل الأمر إلى التفكير بالانتحار، وهنا يجب اللجوء فوراً إلى الطبيب النفسي لأنه مؤشر خطر.
  • وقد يحدث اضطراب قلق مرافق لاضطراب الصدمة، أي يشعر الشخص بقلق شديد عند مواجهة موقف يعيد إليه ذكريات الحرب.
  • وأيضاً الاضطرابات الانفصالية أو الانشقاقية، أي يشعر الشخص بحالة من الانفصال عن الواقع، والانفصال عن الزمان والمكان الذي يتواجد به، ما قد يؤثر على الذاكرة ويُحدث فقدان ذاكرة انفصالي، أي أن الذاكرة تفكر بالحدث القديم وكأنها تعيشه الآن، ويعيش الجسم المشاعر وكل ما حدث في وقت الحدث القديم.

وأوضحت مهنا أنه يمكن أن تكون أعراض الاضطراب شديدة كالخوف وعدم القدرة على التحكم، لكن العلاج النفسي السلوكي المعرفي مناسب جداً، وأيضاً العلاج بالتعريض عبر الحد من هذه الأعراض وتحسين جودة الحياة، ما يساهم بتحسين سير المرض مهما كانت الأعراض شديدة.

كيف يتأثر مَن يشاهد أحداث الحرب؟

قالت الاختصاصية النفسية: “في موقع المتفرج على أحداث الصدمات والحروب التي تحدث في البلدان المجاورة، نحن السوريون أصبحنا نألف هذه المشاهد أو أصبحنا معتادين عليها أكثر، فلم تعد تؤثر علينا كالتأثير الذي عشناه للمرة الأولى، وهذا يعود لعتبة الألم، أي مقدار تحمّل ألم معين، فتكرار هذه الأحداث يرفع لدينا عتبة الألم ومقدرتنا على التحمّل تكون أعلى من الأشخاص الآخرين.”

وتابعت: “التعرّض لهذه الأحداث لزمن طويل أثّر إيجابياً بأنه رفع قدرتنا على التكيف، لكنه يؤثر سلبياً على الذاكرة الكامنة لدينا، أي أننا نسمع ونخزن كل هذه المشاهد والألم والحزن، فالذاكرة الكامنة تكوّن أحداثاً أو ذكريات مرتبطة بمشاعر معينة قد تؤثر علينا على المدى البعيد، ويمكن أن تُحدث إجهاداً للدماغ أو أعراض اكتئابية أو قلقية، والقلق المعمم وارد هنا كثيراً.”

وأشارت مهنا إلى أن الذاكرة الكامنة لدى الأطفال تتطور لديهم وتخزن المشاعر المرتبطة بذكريات معينة، أي قد لا يتذكر الطفل الذكرى نفسها، بل المشاعر المخزنة في الذاكرة الكامنة، منوهةّ بضرورة الانتباه لها عند الطفل.

وأكملت: “وأيضاً لدى البالغين من المهم التفريغ النفسي، أي وجود شخص نعبر له عما يحدث بداخلنا من مشاعر وأفكار، بالإضافة إلى مجموعات الدعم النفسي التي يمكن أن نُفرّغ من خلالها، وحتى الأنشطة للبالغين مفيدة، وفي حال عدم القدرة على التحكم بهذه الأمور، فاللجوء إلى الطبيب النفسي هو الخطوة الصحيحة.”

كيف نخفف من وقع الأحداث الصادمة؟

وتحدثت الاختصاصية النفسية عن عدة طرق لتخفيف وقع الأحداث الصادمة، منها:

  • الاختلاط بالآخرين وتجنب البقاء وحيدين.
  • العودة إلى ممارسة الحياة الطبيعية قدر الإمكان.
  • التطوع والمشاركة بالأعمال الخيرية.
  • التحدث مع الأصدقاء والتعبير عن المشاعر السلبية.
  • المشاركة بالأنشطة الترفيهية والممتعة، وخاصة لدى الأطفال.
  • محاولة اتباع نمط صحي وسليم للحياة “غذائي – رياضي..”
  • تنظيم الوقت وإنجاز بعض الأمور.
  • الانضمام لمجموعات الدعم النفسي إذا شعرنا أن الأمور خرجت عن السيطرة، ولم تعد لدينا القدرة على التحكم بالتصرفات أو الأفكار، ويُنصح باللجوء إلى المعالج أو الطبيب النفسي.

اقرأ أيضاً: اختصاصية نفسية تكشف طريقة التعامل مع “فوبيا الأصوات” بعد الانفجارات

تابعونا على فيسبوك تلغرام تويتر

الحربالصحة النفسيةصدمة الحرب
Comments (0)
Add Comment