مشروع مدينة إعلامية في دمشق: خطوة واعدة أم واجهة رمزية؟

داما بوست -خاص

في لحظة وصفها البعض بالتاريخية، شهد قصر الشعب في دمشق، توقيع مذكرة تفاهم بين وزارة الإعلام السورية وشركة “المها الدولية” لإطلاق مشروع “بوابة دمشق”، الذي يُعد أول مدينة متكاملة للإنتاج الإعلامي والسينمائي والسياحي في سوريا، بحضور رئيس المرحلة الانتقالية أحمد الشرع، وعدد من الوزراء والفنانين، ليضع البلاد أمام فرصة جديدة على مستوى صناعة الإعلام والثقافة.

لكن، مع كل هذه الأجواء الإيجابية، تظل علامات الاستفهام قائمة في أذهان السوريين الذين عاشوا سنوات من الحروب والتقلبات، متسائلين: هل هذه خطوة حقيقية نحو التغيير، أم مجرد واجهة رمزية في ظل واقع إعلامي لا يزال يعاني من القيود والتحديات؟

إقرأ أيضاً: الإعلام تحت قبضة السلطة: كيف تُدار وسائل الإعلام في سوريا؟

إعلام جريح يحاول النهوض

لا يمكن تجاهل أن الإعلام السوري يعاني هشاشة بنيوية مستمرة. لعقود، كان الإعلام في سوريا أداة دعاية للنظام، ولم يتحول إلى منبر حر أو سلطة رقابية. خلال سنوات الحرب، تصاعدت الاعتقالات والتضيقات على الصحفيين ووسائل الإعلام المستقلة.

حتى الآن، لم تتخذ الدولة خطوات واضحة لإصلاح هذا الوضع أو توفير ضمانات حقيقية لحرية التعبير وحماية العاملين في المجال الإعلامي. أي مشروع إعلامي ضخم مثل “المدينة الإعلامية” لا يمكن فصله عن هذا الواقع، وسيُقاس بقدرته على التغيير أو الاستمرار في النسق السابق بنعومة أكبر.

إقرأ أيضاً: الإعلام السوري بعد سقوط النظام: تحرر شكلي أم تحديات بنيوية؟

أبعاد المشروع: استثمار ثقافي أم نفوذ ناعم؟

سياسياً، يحمل المشروع رسالة محاولة لإعادة تعريف سوريا كشريك إقليمي منفتح، خصوصاً مع قطر التي شهدت علاقاتها توتراً سابقاً مع النظام السابق. رغم ذلك، يظل وجود إطار قانوني وإداري واضح يوفر بيئة عمل مستقلة وآمنة أمراً أساسياً في مرحلة انتقالية تعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع.

اقتصادياً، يحمل المشروع فرصاً لتطوير البنية التحتية الإعلامية، وتأهيل الكوادر، وجذب الاستثمارات، لكنه مرهون بالشفافية والحوكمة المهنية لضمان استمرارية الفائدة وعدم تكرار التجارب الفاشلة.

ثقافياً، يسعى المشروع إلى استعادة دور سوريا كمركز درامي عربي، لكنه سيواجه تحديات كبيرة في سوق مشبعة بالإنتاجات الموجهة وبمعايير رقابة متباينة.

اجتماعياً، قد يوفر المشروع فرص عمل للفنانين والمبدعين، لكنه محفوف بمخاوف تخص توزيع هذه الفرص بشكل عادل وشامل، بعيداً عن الاحتكار أو التحيّز.

 

من هي “المها الدولية”؟

الشركة القطرية “المها الدولية” ليست جديدة على قطاع الإنتاج، فقد أنتجت مسلسل “معاوية”، الذي أثار جدلاً بسبب خلفياته الدينية والتاريخية الحساسة. انخراط الشركة في إنتاجات ذات طابع إسلامي سياسي أثار قلقاً لدى بعض السوريين من احتمال توجيه المشروع نحو سرديات محددة قد لا تعكس التنوع الثقافي والاجتماعي السوري.

مع ذلك، يرى البعض أن الشركة مجرد شريك تجاري يبحث عن فرص في سوق واعد، مع الاعتراف بمحدودية تأثيرها إذا توفرت ضمانات وطنية قوية.

إقرأ أيضاً: سوريا تطلق مشروع “بوابة دمشق” للإنتاج الإعلامي والسياحي بتكلفة 1.5 مليار دولار

بين الطموح والحذر

المسألة الأساسية ليست التمويل أو حجم المشروع فقط، بل مدى استعداد البيئة الإعلامية للانطلاق نحو مستقبل أكثر حرية واستقلالية. هل ستنتهي الاعتقالات والرقابة؟ هل ستتوفر مساحة للمهنية والكلمة الحرة؟

مدينة الإعلام قد تكون بداية جديدة أو مجرد واجهة رمزية. ما سيحدد نجاحها هو الإرادة السياسية الحقيقية للانفتاح والإصلاح، ليس فقط في البنية التحتية، بل في العقل والنية.

 

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

شركة المها الدوليةمشروع بوابة دمشق
Comments (0)
Add Comment