داما بوست- خاص| لا يمكن تفسير الخطاب الصهيوني المتناقض والمتضارب حول عملية الوعد الصادق 2 وما يحصل على “الجبهة الشمالية” و”جبهة الجنوب” سوى بعارض هستيري أصاب كيان الاحتلال وجنوده، من وقع صدمة دخولهم دوامة التخبط والهزيمة بسرعة أكثر مما كانوا يتوقعون، ومكوثهم في خانة الإدراك أنّ هذه المعركة ليست كأيّ من سابقاتها، أي هي معركة تحدّد مصير كيانهم، بل وجود كيانهم.
يهدّد الاحتلال ويتوعد على ألسنة بعض ضباطه ويتناسى أنّ التقارير المتحدثة عن رفض الجنود المجيء إلى جبهات القتال وحالات الإنهيار النفسي والعصبي التي تصيبهم هي تقارير متداولة وليست سريّة مهما حاول ضبط ما يُنشر من أخبار جيش الاحتلال وما يحدث على الجبهة من كمائن قاتلة تطيح بجنود الاحتلال على أيدي رجال المقاومة.
ويتهافت الناطقون باسم كيان العدوّ بمختلف اللغات على التسويق للسردية الصهيونية القائلة بحتمية انتصار “إسرائيل” في هذه الحرب، في محاولات يائسة لبثّ روح انهزامية في صفوف المقاومة وأهلها، ويقترفون الجرائم بتدمير المنازل فوق رؤوس المدنيين، وتنفيذ عمليات الاغتيال الجبانة.
ولا يلتفت هؤلاء المهزومون لحجم الأزمة الكبيرة التي يواجهها الكيان الصهيوني بعد أن ثبت له على مختلف المستويات أن هذه لم تعد تخيف أحداً ولا سيّما بعد أن استخدمت وأخرجت كل ما في جعبتها من القتل والتدمير وانتهاك لمحرّمات الإنسانية.
والمضحك أنهم يتباهون بانجازات من ورق، ثم يستعرضون خسائرهم الفادحة وعدد قتلاهم، ويفرون من المواجهة كالسارقين ليخبرهم الواقع أن تفوّقهم العسكري والتكنولوجي ليس كافيًا كعامل يحتّم النّصر في معركة الوجود.
واكتشفوا أن هذا التفوّق المزعوم لم يعد أصلاً ذا قيمة في حسابات المواجهة سواء في غزّة أو في جنوب لبنان، وما حديثهم المتحسّر عمّا أملى به بن غوريون حول أهمية نقل القتال إلى أراض لبنان في مقاربتهم لاجلاء حوالي 100 ألف من مستوطنيهم على طول الحدود مع لبنان، سوى انعكاس لشعورهم بأن الأمر انتهى.
وبعد محاولتهم التعتيم على النتائج التي حققتها عملية “الوعد الصادق 2″، نراهم يقرون بتضرر القواعد الجوية التي استهدفتها الصواريخ الإيرانية، ويعترفون أن الصواريخ الإيرانية دمّرت مباني ومشاغل صيانة للطائرات الحربية في القواعد الجوية الإسرائيلية المستهدفة.
جيش الاحتلال يحاول التعتيم على كمائن الموت كما حاول التعتيم على ما حققه الهجوم الإيراني في الوعد الصادق 2، إذ طلب من الإسرائيليين الامتناع عن تصوير أماكن سقوط الصواريخ.
تحليلاتها للمقاطع المصوّرة التي وثّقت الهجوم الإيراني خلصت إلى تركّز سقوط الصواريخ في مقرّ “الموساد” وقاعدتي “نيفاتيم” و”تل نوف” الجويتين، أو قرب كل منها، وسقط صاروخان، على الأقل، قرب مقرّ “الموساد”، وتحديداً في حي “غليلوت” في “تل أبيب”، و”تل نوف”، التي تقع في جنوبي “تل أبيب”، على بعد نحو 24 كلم، تعرّض للاستهداف أيضاً، وعدد كبير من الصواريخ أصاب “نيفاتيم”، في صحراء النقب، جنوبي فلسطين المحتلة.
كل تلك التحليلات والوقائع ترعب الكيان وتحثه على التعتيم، وما يخاف منه الاحتلال والغرب ما أكده مسؤولون أميركيون وإسرائيليون من أنّ حزب الله يمتلك مخزوناً مخفياً من الأسلحة“، و”إسرائيل” لم تتمكن من تدمير ترسانة حزب الله.
وجيش الاحتلال يعرف ولا يحتاج للتأكيد أن حزب الله امتنع حتى الآن عن استخدام الأسلحة بعيدة المدى والأكثر تطوراً، مثل الصواريخ الباليستية وصواريخ الكروز، في المواجهات الأخيرة مع الاحتلال الإسرائيلي، فحزب الله يمتلك ترسانةً ضخمةً من الصواريخ والصواريخ المضادة للدبابات والطائرات المسيّرة، التي يمكنه نشرها في مواجهة التقدّم الإسرائيلي في الحرب البرية.
ناهيك عن قدرة حزب الله على إطلاق “ما يصل إلى 3000 صاروخ وقذيفة يومياً على “إسرائيل”، في هجمات كثيفة مصممة لإرباك الدفاعات الجوية إذا أراد، وهو ما حذّرت منه دراسة حديثة أجرتها جامعة “رايخمان” الإسرائيلية.
وشهد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أن جيش الكيان يواجه إخفاقاً استراتيجياً كبيراً رغم نجاحاته التكتيكية المحدودة في مواجهة حزب الله، وأن حزب الله نجح في تحويل المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة إلى لاجئين ونازحين، مما أدى إلى إنشاء “قطاع أمني خاص” في المنطقة، وهو ما يعكس التفوق الاستراتيجي للمقاومة.
وشخصيات عسكرية صهيونية بارزة، مثل غادي أيزنكوت وبني غانتس، أقروا بأن تفريغ مستوطنات الشمال يُشكل تكلفة استراتيجية غير قابلة للتحمل، ما يعكس فشل الاحتلال في تحقيق أهدافه.
وشهد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أيضاً أن جيش الاحتلال الإسرائيلي لا يملك القدرة على هزيمة حزب الله عسكرياً عبر احتلال مناطق واسعة في لبنان، وأن العملية البرية لن تنجح في وقف تهديد الطائرات بدون طيار والقذائف التي تطلق على المستوطنات الشمالية.
لاشك أن محاولات الاحتلال لإنشاء منطقة عازلة في الجنوب لن تحقق أهدافها، والتجربة التاريخية بين 1985 و2000، حين كان جيش لحد يدير القطاع الأمني بوجود محدود لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن تكرارها، حيث بات حزب الله يتمتع بقدرة أكبر على مقاومة هذه المحاولات.
الواقع الحالي شمالًا يعكس فشلاً استراتيجياً غير مسبوق للاحتلال، حيث أصبح المستوطنون نازحين نتيجة تفوق المقاومة، وهو ما يؤكد أن الحل لن يكون عسكرياً بل يجب أن يكون سياسياً، خاصة في ظل استمرار تصاعد المواجهة في قطاع غزة، وهذا ما يراه أكبر محللي ومراكز الدراسات العسكرية والسياسية في كيان الاحتلال.
اقرأ أيضاً: الوحل اللبناني عميق ومغرق.. هكذا يقول جنرالات الاحتلال