تشهد نسبة كبيرة من الصيدليات في مختلف المحافظات فقدان بعض الأصناف الدوائية وقلة في أنواع أخرى مع ارتفاعٍ في أسعارها لا يتناسب والقدرة الشرائية للمواطنين، في حين تعاني مصانع وشركات الأدوية بتأمين المواد الأولية وارتفاع كلف الإنتاج، ما يدفع للمطالبة بإعادة النظر بالأسعار وأسس التسعير لتتساوى مع الكلف وبشكل يضمن استمرارية الإنتاج وتوفير الأدوية في الصيدليات، وسط تحذيرات صارت متداولة في الأوساط “الصيدلانية” من الوقوع في أزمة دوائية لبعض الأصناف.
وعلم “داما بوست” أن بعض مستودعات الأدوية أوقفت توريداتها إلى الصيدليات بالشكل الاعتيادي، بحجة عدم توريد المعامل لهم الكميات المطلوبة، فيما استمر البعض الآخر بتزويد الصيدليات لكن بشكل ضئيل، فيما يشتكي أصحاب المستودعات والمعامل من الخسائر التي يتكبدونها، في ظل صعوبة تأمين المواد الأولية المستوردة والتي تستخدم في صناعة عدد من الأصناف الدوائية.
وفيما يواجه المواطنون صعوبة بالحصول على بعض الأصناف الدوائية، يؤكد بعض الصيادلة رغبتهم بالعزوف عن العمل وإغلاق صيدلياتهم التي صارت عبئاً عليهم ولا تحقق لهم الربح المطلوب، فلا إمكانية لكفاية حاجات المرضى، ولا وسيلة لمساعدة المستودعات والمعامل، ناهيك عن انتشار الدواء أيضاً في “السوق السوداء” التي توفر منتجات دوائية باهظة الثمن ومجهولة المصدر.
وقف العمل لضمان عدم الخسارة:
وأوضحت الصيدلانية “ريما” وهو اسم مستعار لإحدى الصيدلانيات التي تعمل في شركة تصنيع أدوية لـ “داما بوست”.. “عندما يرتفع سعر الصرف تتوقف المعامل عن البيع كي لا تتكبد الخسائر لأن تكاليف الإنتاج ترتفع أما سعر المبيع لم يتغير وتطرح الصيدلانية مثالاً: ظرف السيتامول كان يكلف المعمل 1000 ليرة سورية لإنتاجه، أما حالياً وصلت الكلفة إلى حوالي 2500 ليرة، وهو مجبور على بيعه بذات السعر السابق، لذلك توقفت أغلب المعامل عن البيع”.
وأضافت “بعض المعامل مازالت تنتج لكنها تقوم بالتصدير بدلاً من رفد الأسواق المحلية، لكن بعضها الأخر مازال يوّزع، لأنها كانت تنتظر زيادة لتسعيرة الدواء في بداية الشهر لكن لم تحصل، والمستودعات كذلك الأمر بدأت تقوم بالتوزيع على الصيدليات بشكل ضئيل، فتقوم بتوزيع صنف أو صنفين فقط وتتوقف عن تزويد الصيدليات بالأصناف المهمة مثل أدوية الضغط والسكري إلا بأعداد قليلة، أو يتم تحميل أدوية أخرى غير مطلوبة معها”.
أزمة ليست جديدة:
من جانبه استنكر الصيدلاني وعضو مجلس محافظة دمشق “خلدون علي” في حديثه لـ “داما بوست” الوضع الحاصل قائلاً.. “أزمة الدواء الحاصلة ليست بالجديدة، وتحدث كل عام بشكل دوري عدة مرات، ودوماً يتعلق الموضوع بعدم استقرار سعر الصرف بين الحين والأخر، وعندما تكون الأزمة هي واقع وتتكرر بين الحين والأخر يجب علينا عدم انتظار وقوعها كل مرة من أجل البحث عن حلول، من المفترض وجود آلية عمل مؤتمتة دون تدخل بشري، لأننا أمام واقع متبدل والتدخل البشري يحتاج إلى وقت طويل، مثل التحويل إلى لجان التسعير ولجنة التسعير تدرس تكلفة الدواء وفقا لسعر المصرف المركزي والدخول في حسابات طويلة، هذا يحتاج إلى وقت طويل قد يصل إلى أشهر، فيقع السوق الدوائي في مشكلة خلال هذه الفترة”.
ويرى “علي” أن الدواء سلعة تتصل بحياة المواطن، هناك أدوية مزمنة هي واقع يومي بالنسبة إلى المريض، لذلك يجب أن يتواجد برامج مؤتمتة معدة سابقاً لتسرع عملية حساب الأسعار وفقاً لسعر الصرف الجديد، لأنه عندما تتحول إلى لجان بشرية تحتاج إلى وقت طويل.
ويؤكد الصيدلاني على أن أحد جوانب الأمن الدوائي هي تأمين الدواء للمواطن بالسعر المناسب، بالتالي يجب أن لا يخضع سعر الدواء إلى الارتفاع لمرحلة قد يخرج من متناول اليد، لكن تحت هذا العنوان يتم النظر إلى الدواء بأنه ليس سلعة مصنعة ذات تكاليف تصنيع عالية، قد تفوق بتكاليفها الكثير من السلع الأخرى، والدواء مثله مثل باقي الصناعات يحتاج إلى استيراد لمواده الأولية ويخضع إلى صناعة تحويلية والتغليف والتعبئة، بالتالي الحاجة إلى محروقات وآجار عمال، فمثلاً المواد الغذائية تتأثر وتلحق موضوع التضخم، بينما الدواء ينقطع لأشهر من الأسواق وسعره ثابت، وكأن النظر إليه وأنه ثروات محلية موجودة في باطن الأرض وتصنيعه غير مكلف”.متابعاً أن الدواء يجب أن يخضع إلى متغيرات السوق كغيره من السلع، وأن هذه المشكلة مزمنة لدينا، وأن أصحاب القرار لا تقوم بالتوجيه برفع أسعار الدواء إلا حين وقوع الكارثة، وأن 90 بالمئة من الصناعات الدوائية هي من القطاع الخاص، وبالتالي لا يمكنك تعريضه أو إجباره على الخسارة المادية”.
نقابة صيادلة دمشق ألمحت إلى الموضوع قبل أيام:
وفي تصريح سابق لنقيب الصيادلة في دمشق “حسن ديراون” أكد فيه لـ “داما بوست” أن النقابة رفعت قوائم إلى النقابة المركزية ووزارة الصحة، تتضمن الأصناف غير المتوفرة، وتشير المعلومات عن وجود دراسة لرفع أسعار بعض أصناف الأدوية تجنباً لانقطاعها.
ويذكر أن مديرية الشؤون الصيدلانية في وزارة الصحة رفعت في بداية العام أسعار الأدوية بناء على ارتفاع سعر الصرف وفق نشرة المصرف المركزي وارتفاع تكاليف حوامل الطاقة وحرصاً منها على استمرار توافر الأدوية في السوق، وذلك حسب ما نشرته المديرية عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك”، حيث ارتفع بعضها بنسبة 100% ومنها 75% و50%، في حين وصلت أسعار بعض أدوية الضغط إلى 30 ألف ليرة وأدوية الالتهابات تتراوح ما بين 10 إلى 14 ألف ليرة.