يشهد الساحل السوري، وتحديدًا في محافظة اللاذقية، تحولًا لافتًا في طريقة استثمار الشواطئ العامة. منذ سنوات، تشهد هذه المساحات تمددًا متسارعًا للقطاع الخاص الذي حصل على امتيازات طويلة الأمد لتشغيل المقاهي والمطاعم والمنشآت السياحية على الكورنيش البحري.
تساؤلات حول “التنشيط السياحي” وحقوق السكان
بينما يروج المسؤولون لهذا التوجه كخطوة لتنشيط السياحة المحلية وجذب الاستثمارات، ترى شريحة واسعة من السكان فيه تقليصًا ممنهجًا للمساحة العامة وتحويل البحر إلى مشروع تجاري يقتصر على القادرين ماليًا.
خلال الشهرين الأخيرين، طرحت محافظة اللاذقية أكثر من أربعين موقعًا على شاطئ المدينة في مزادات علنية للاستثمار السياحي، وفقًا لمصادر محلية. هذه المواقع تمتد على طول كورنيش المدينة شمالًا وجنوبًا، وتشمل مناطق مثل أفاميا والرمل الجنوبي. تُمنح العقود للمستثمرين لفترات تتراوح بين 5 و15 عامًا، يتكفلون خلالها بتجهيز وإدارة المنشآت السياحية مقابل بدل مالي سنوي للمحافظة.
“البحر ليس للبيع”: انتقادات واسعة من الأهالي
أثارت هذه الخطوة، التي تُعرض كإنجاز تنموي، موجة متصاعدة من الانتقادات. يعبر عدد كبير من سكان المدينة عن شعورهم المتزايد بالإقصاء عن شواطئهم، فمعظمها أصبح محاطًا بسياج من المقاهي أو مفروشًا بكراسٍ مأجورة بأسعار باهظة، ما يحد من استفادة السكان منها. تتكرر عبارة “البحر ليس للبيع” في احتجاجات أبناء المدينة، الذين يرون أن المنظر البحري، الذي كان متاحًا للجميع، بات اليوم محجوبًا خلف مظلات تجارية.
أعد موقع “تلفزيون سوريا” تقريرًا يكشف عن صدمة الكثيرين من “غياب البُعد البيئي والمجتمعي” عن سياسة التراخيص الاستثمارية، مشيرين إلى أن السياحة لا تعني تسييج الطبيعة أو طرد السكان منها. كما انتقد آخرون ما وصفوه بـ “العقلية الربحية قصيرة النظر” التي تحكم المشاريع السياحية في المدينة، متسائلين عن الجهات المستفيدة فعليًا من هذه العائدات، في ظل غياب الشفافية في إعلان أسماء المستثمرين أو آليات اختيارهم.
لا يقتصر الوضع على مدينة اللاذقية، فمدينة جبلة المجاورة تشهد مشكلات مشابهة مع ازدياد عشوائية المنشآت التي شُيدت دون دراسة عمرانية واضحة، ما أدى إلى طمس الواجهة البحرية وتشويه البيئة البصرية للمكان.
ردود المسؤولين ودعوات الشفافية
يقول عدد من أهالي المدينة إن الشاطئ الذي كان يومًا متنفسًا طبيعيًا بات “مساحة مغلقة، تقف فيها طاولات المقاهي على بعد أمتار قليلة من الموج، في ظل غياب رقابة حقيقية على الالتزام بالشروط البيئية”.
ردًا على هذه الانتقادات، أكد مسؤولون في مجلس محافظة اللاذقية أن هناك شواطئ مجانية لا تزال متاحة، أبرزها مسبح أوغاريت ومنطقة الرمل الجنوبي. وأشاروا إلى أن خطط الاستثمار السياحي لا تستهدف إقصاء السكان وإنما تحسين البنية التحتية وتوسيع خيارات الترفيه.
غير أن ناشطين بيئيين ومدنيين يرون أن هذه التصريحات لا تكفي، ويطالبون بالكشف عن تفاصيل العقود الاستثمارية، وضمان أن تتضمن التزامات واضحة بعدم حجب البحر، إلى جانب وضع ضوابط تمنع تشويه المساحات العامة.
في السياق ذاته، أفادت مصادر إعلامية محلية بأن هيئة تطوير السياحة في سوريا تخطط لزيادة رقعة الاستثمار على كامل الساحل السوري، كجزء من خطة وطنية لتنشيط السياحة الداخلية، دون أن تترافق هذه الخطة مع استراتيجية موازية لضمان عدالة الوصول إلى الشواطئ.
اقرأ أيضاً: معظمها في الساحل.. الدفاع المدني يخمد 33 حريقاً في سوريا