الحزب الإسلامي التركستاني في سوريا: من الجهاد إلى التكيّف العسكري

داما بوست -خاص

الحزب الإسلامي التركستاني (TIP) هو تنظيم جهادي مسلح، ينتمي عناصره إلى أقلية الأويغور الناطقة بالتركية، ذات الأصول العرقية الممتدة من إقليم شينجيانغ شمال غرب الصين، والمعروف باسم “تركستان الشرقية”. تأسّس الحزب عام 1997 في الصين على يد حسن معصوم، بهدف قتال الحكومة الصينية والمطالبة باستقلال الإقليم، قبل أن يوجّه بوصلته نحو أفغانستان، حيث قاتل إلى جانب تنظيم “القاعدة” و”حركة طالبان”.

 

من أفغانستان إلى سوريا

في السنوات الأولى من الحرب السورية، تحديدًا بين عامي 2011 و2012، بدأ ظهور مقاتلين أويغور في صفوف “جبهة النصرة” و”أحرار الشام”، لكن دون تنظيم مستقل. ومع بداية 2013، أعلن الحزب تأسيس فرعه السوري تحت اسم “الحزب الإسلامي التركستاني لنصرة أهل الشام”، ما شكّل نقطة تحوّل في مساره، حيث أنشأ معسكرات خاصة واستقطب مئات المقاتلين.

تقديرات تشير إلى أن عدد عناصر الحزب في سوريا يتراوح ما بين 5000 و7000 مقاتل، يتمركزون بشكل رئيسي في محافظة إدلب، لا سيما في مدينة إدلب، وجسر الشغور، وجبل السماق، إضافة إلى ريف اللاذقية، حيث استقرت بعض عائلاتهم في قرى مسيحية وعلوية.

 

العلاقة مع المجتمع المحلي

على عكس التنظيمات الجهادية الأخرى، حرص على البقاء بعيدًا عن الخلافات الداخلية للفصائل السورية المتشددة، وركّز على هدفه المعلن: قتال النظام السوري.

حاول الحزب الاندماج مع المجتمع السوري عبر الزواج من نساء سوريات، وتعزيز علاقاته بالقوى التركمانية، إلا أن الحاجز اللغوي مع السوريين حال دون اندماج فعلي، ما دفعه لتكوين مجتمع خاص قائم على العرق واللغة، يتجنّب التدخل في حياة المدنيين اليومية.

 

العلاقات مع جبهة النصرة وتنظيم داعش

حافظ الحزب على علاقات قوية مع “جبهة النصرة” (لاحقًا “هيئة تحرير الشام”)، وساهم في معارك حاسمة لصالح “جيش الفتح” عام 2015. لكن رغم هذا التقارب، رفض الحزب عروض الاندماج التنظيمي مع “النصرة”.

أما فيما يخص “داعش”، فقد انضم بعض الأويغور إلى التنظيم، مستفيدين من دعاية “الخلافة العالمية” التي روج لها، وخاصة خلال وجود معسكرات لتجنيدهم في مدينة تل أبيض عام 2014. لكن في 2016، أعلن الحزب الإسلامي التركستاني رسميًا رفضه لخلافة “داعش”، مؤكدًا عدم شرعيتها وداعيًا إلى “خلافة على أسس شرعية وسياسية صحيحة”.

 

الدور التركي والدعم الغامض

نشط الحزب داخل الأراضي التركية عبر إطلاق أول موقع جهادي باللغة التركية، مستغلًا وجود أكثر من 300 ألف أويغوري في تركيا. ووجد في “جمعية التضامن والتعليم لتركستان الشرقية” واجهة إنسانية لضم المقاتلين وإرسالهم إلى سوريا، وسط اتهامات بغضّ نظر أو دعم من أجهزة الاستخبارات التركية.

 

مصادر التمويل والأساليب

رغم حديث أنصار الحزب عن اعتماده على “غنائم المعارك”، إلا أن تضييق الخناق عليه دفعه لاحقًا إلى فرض إتاوات على صيادي السمك في سهل الغاب، وابتكار وسائل تمويل قسرية كجمع الأسماك من المدنيين. كما تورّط عناصر الحزب في تفكيك وبيع معدات من محطات حرارية مثل “زيزون” ومحطات سكك حديد كـ”محمبل” و”جسر الشغور”، في عمليات نهب منظم وممنهج.

وتشير بعض التقارير إلى أن الأويغور يجمعون تبرعات كبيرة من مختلف دول العالم نظراً لانتشارهم الواسع حول دول العالم، مستفيدين من العداء بين الصين ومعظم الدول المنتشرين فيها.

 

من الجهاد إلى الهيكلة العسكرية الرسمية

في تطوّر مفاجئ، أعلن الحزب الإسلامي التركستاني رسميًا حلّ نفسه، استعدادًا للاندماج في التشكيلات العسكرية التابعة لوزارة الدفاع في “الجيش السوري الجديد” تحت اسم “الفرقة 84″، في خطوة وُصفت بأنها تحوّل جذري من العمل الجهادي إلى الانخراط في البنية العسكرية الرسمية للدولة الجديدة.

ووافقت الولايات المتحدة على خطة تقضي بدمج 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من الأويغور، في الجيش السوري الجديد، بشرط الالتزام بالشفافية والرقابة على التنفيذ.

إقرأ أيضاً: معظمهم من الأويغور… واشنطن توافق على دمج آلاف المقاتلين الأجانب ضمن الجيش السوري

دلالات التحوّل

يمثل دمج مقاتلي الحزب في الجيش السوري الجديد تصعيدًا غير مباشر بين الولايات المتحدة والصين، إذ أن واشنطن تستخدم “الورقة الأويغورية” للضغط على بكين في ملفات حقوق الإنسان والجغرافيا السياسية. كما أن هذه الخطوة قد تثير تحفظات روسية وصينية، وتخلق حساسية داخل القيادة السورية الجديدة ذاتها.

باختصار، يشكل هذا التحوّل الاستراتيجي بداية فصل جديد في تعقيدات المشهد السوري، حيث تتقاطع مصالح الفاعلين الدوليين مع الحسابات المحلية في صياغة مستقبل البلاد.

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام

"الحزب الإسلامي التركستاني"إدلبالصيناللاذقيةروسيا
Comments (0)
Add Comment