جنوب سوريا: وسط ضوضاء التطبيع .. “إسرائيل” تسعى لفرض واقع جديد

داما بوست -يمان العبود

الحراك الإسرائيلي في جنوب سوريا يأخذ خطوات متسارعة لقضم المزيد من المناطق وتثبيت أركان الوجود العسكري ضمن ما تسميه “تل أبيب” اليوم بـ “المنطقة العازلة”، قبيل التوجه إلى تطبيع العلاقات بين دمشق و”تل أبيب”، إذ تؤكد تصريحات “وزير الخارجية الإسرائيلي”، “جدعون ساعر”، أن البقاء في هذه المنطقة ومرتفعات جبل الشيخ سيكون الشرط الأساس لمثل هذا الاتفاق، وبالتالي بات الحديث عن الانسحاب إلى خط 4 حزيران من العام 1967 في مهب النسيان.
التصريحات القادمة من دمشق لا تبحث عن أكثر من العودة إلى خط 7 كانون الثاني من العام 2024، وإعادة تفعيل اتفاق “فض الاشتباك”، وهذا ما لن تقبل به “تل أبيب”، قياساً على إنها الطرف الأقوى في أي محادثات قائمة مع دمشق التي ينشغل قادتها بـ تثبيت اركان الحكم أياً كان الثمن من جهة، والفكر التوسعي الإسرائيلي من جهة أخرى، فما تأخذه “إسرائيل” من أراض لا يمكن أن تتخلى عنه بدون قتال.
ومع ربط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمسألة رفع المزيد من العقوبات عن سوريا إذا ما جنحت إلى سلام مع “إسرائيل”، يبدو واضحاً أن رفع العقوبات ستكون الجزرة التي توضع أمام الحكومة السورية الانتقالية لتسير نحو تطبيع العلاقات، أو إنها ستكون العصا الغليظة التي يلوح بها لـ دمشق إن حاولت الاعتراض على الشروط الإسرائيلية في أي مسودة ستطرح لاتفاق السلام.

 

أقرأ أيضاً: إسرائيل تفرض واقعًا جديدًا في الجنوب السوري.. وصمت حكومي يثير الغضب الشعبي

 

ميدانياً، بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي ببناء قاعدة عسكرية في “تل أحمر شرقي”، القريب من بلدة كودنا بريف القنيطرة لتكون القاعدة الثانية في محيط القرية بعد أن تمركزت في “تل أحمر غربي”، منذ 11 من كانون الأول الماضي.
وتشير المعلومات التي حصلت عليها “داما بوست”، من مصادر عشائرية في المنطقة إلى أن قوات الاحتلال التي رفعت علمها فوق التل قبل أسبوع، تعمل بشكل مكثف على تحويله إلى نقطة من شأنها أن تعزز سيطرة الاحتلال على المنطقة.
ولفتت المصادر إلى وجود مخاوف كبيرة لدى سكان القرى القريبة من النقاط الإسرائيلية من تكرار عملية هدم المنازل كما حدث في قرية “الحميدية” بريف القنيطرة، والتي دخلتها قوات الاحتلال يوم 17 من الشهر الفائت لتهدم 16 منزلاً بحجة قربها من القاعدة العسكرية، الأمر الذي لم تعترضه قوات حفظ السلام الدولية “الاندوف”، لتكتفي بزيارة القرية بعد عشرة أيام على الحادثة، وتحديداً يوم الجمعة الماضي، لتطلع على المباني المهدمة.
وتقول مصادر عشائرية من القرية إن احتمالات هدم المزيد من المنازل ما تزال قائمة، وقد يتجه العدو لإجبار السكان على موجة نزوح تذكر بما حدث قبل حرب 1967، التي افضت إلى إفراغ جزء كبير جداً من قرى الجولان من سكانها حتى يومنا هذا، وتتركز المخاوف من عمليات هدم المنازل في القرى القريبة من القواعد التي ينتشر فيها العدو، وتبدو قرية “معريا”، بريف درعا من أكثر القرى المهددة بالأمر نتيجة لوجود “ثكنة الجزيرة”، التي يتمركز فيها الاحتلال في الجزء الغربي من القرية، وتكرار حوادث إطلاق النار باتجاه الثكنة من قبل عناصر مجهولة الهوية حتى اللحظة.

إقرأ أيضاً: سوريون من الجولان المحتل يطالبون باستفتاء شعبي وضمان الحقوق قبل أي مفاوضات مع إسرائيل

وبدء الاحتلال بإنشاء نقطة عسكرية جديدة بالقرب من قرية “بئر عجم” بريف القنيطرة، ويقول أحد السكان والذي فضل عدم ذكر اسمه خلال حديثه لـ داما بوست: إن الاحتلال تمركز من خلال مجموعة من قواته المزودة بعربات مصفحة ومعدات هندسية ثقيلة بالقرب من برج المراقبة في منطقة الحراج القريبة من القرية، وتشير الأعمال التي ينفذها إلى أنه بصدد إقامة نقطة عسكرية جديدة الأمر الذي سيقيد حركة السكان أكثر من أي وقت مضى، وبالتزامن تفيد المعلومات التي حصلت عليها داما بوست من مصادر محلية في بلدة حضر ذات الغالبية الدرزية أن العدو يكثف من نشاطه في إنشاء النقطة الثانية في منطقة “قرص النفل”، الواقعة إلى الشمال من البلدة، كما إنه أتم عمليات إنشاء قاعدته في “جبل بربر”، القريبة من قرية “قلعة جندل”، ذات الغالبية الدرزية بريف دمشق، والتي تشرف على واحد من أهم الطرقات الواصلة إلى قمة “جبل الشيخ”، وهي الطريق الذي كانت تستخدمه القوات السورية في زمن النظام للوصول إلى مقار عسكرية ضخمة في الجبل مثل المرصد ومقر الفرقة 24 في الجيش المنحل.

الاحتلال الذي قطع الكثير من الطرقات الرابطة بين قرى “المنطقة العازلة”، في الجزء الواقع منها بريف القنيطرة بالمساتر الترابية، يثير مخاوف السكان من احتمال إقامة حدود معلنة لهذه المنقطة بما يعني عزلها عن بقية الأراضي السورية وبالتالي وضع السكان المحليين امام أحد احتمالين، إما النزوح إلى قرى خارج هذه المنطقة، او القبول بالعيش تحت الاحتلال الإسرائيلي، وبات مشهد الدوريات العسكرية الإسرائيلية التي تجتاز القرى اعتيادي بالنسبة للسكان، كما إن العدو لم يهمل محاولات التقرب من السكان من خلال المساعدات الغذائية أو الطبية على الرغم من رفض السكان للأمر، وآخر ما سجل في هذا الإطار كان دخول دورية عسكرية تابعة للاحتلال مساء يوم الجمعة إلى “مزرعة أبو مذراة”، القريبة من قرية “صيدا الجولان”، بريف درعا.

 

إقرأ أيضاً: سوريا بين خطوط النار: كيف تُرسم ملامح المستقبل في ظل الحرب الإسرائيلية – الإيرانية؟

 

وبعد ان كان وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات السلام، جان بيير لاكروا، قد زار قبل أسبوع العاصمة السورية والتقى بوزير الدفاع مرهف أبو قصرة لبحث ضرورة تعزيز التواصل والتنسيق مع البعثة الأممية لضمان تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، خرج بتصريحات قبل ثلاث أيام يصف فيها الدور الذي تؤديه “الأندوف”، بـ الحيوي لمراقبة فض الاشتباك بين سوريا و”إسرائيل”.
وقال إن “البعثة لا تزال تضطلع بدور بالغ الأهمية في التنسيق بين سوريا وإسرائيل، وتبذل قصارى جهدها لتنفيذ مهامها في فض الاشتباك، كما اعتبر أن “وجود القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة يُعد انتهاكاً”، وذلك على أساس أن اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 لا يجيز الوجود فيها إلا لقوات “الأندوف”، كما أشار أيضا إلى أن الحكومة السورية عبرت بوضوح عن دعمها للقوة الأممية، واستعدادها لتحمل المسؤولية الأمنية الكاملة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك المناطق التي تنتشر فيها البعثة، بما يتوافق مع القانون الدولي.
لكن مراقبون للملف السوري يشيرون إلى أن بعثة الأمم المتحدة تكتفي بـ “دور المتفرج”، على كل ما تفعله “إسرائيل” منذ يوم 9 كانون الأول الماضي من عمليات توغل وبناء للقوات الإسرائيلية دون اتخاذ أي إجراء فعلي لحماية السكان أو منع التجاوزات الإسرائيلية للقوانين والقرارات الدولية، كما إن “الأندوف” رفضت بشكل واضح مطالب السكان بشأن من اعتقلتهم “إسرائيل” خلال الفترات الماضية والذين وصل تعدداهم إلى 22 شخصاً.
وبحسب ما يؤكد أحد سكان قرية “الحميدية”، بريف القنيطرة خلال حديثه لـ داما بوست، بأن مختار القرية الذي تجول مع دورية “الأندوف”، تلقى رداً من أحد ضباطها حول المسألة بأن الأمر مقرون بمفاوضات السلام، ويجب على الحكومة السورية أن تطالب بمواطنيها وفقاً للقوانين، وأن قوة حفظ السلام الدولية ليست معنية بالمطالبة لكنها قد تلعب دوراً في نقل المعتقلين من الجولان إلى الأراضي السورية في حال قررت “إسرائيل” الإفراج عنهم.
وقالت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، إن قوات الاحتلال نفذت خلال الأسبوع الماضي عدة مداهمات لمستودعات أسلحة جنوب سوريا واعتقلت عدداً من الأشخاص، مشيرة إلى أن جيش الاحتلال يتواجد حالياً في تسعة نقاط ثابتة في الأراضي السورية منذ سقوط الأسد، إلا أن التعداد الذي ذكرته الصحيفة الإسرائيلية لا يبدو إنه يشمل مناطق “جبل الشيخ”، أو النقاط التي يتم العمل عليها الآن وفقاً لما يشير إليه مراقبون للحدث السوري.

 

إقرأ أيضاً: إسرائيل تربط تطبيع العلاقات مع سوريا بالاعتراف بسيادتها على الجولان المحتل

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب

إسرائيلالجولان السوري المحتلالقنيطرةجبل الشيخجنوب سوريادرعا
Comments (0)
Add Comment