أعلنت الإدارة الأميركية رفع العقوبات المفروضة على سوريا، في 13 أيار/مايو 2025، بعد أكثر من 5 أشهر من سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من كانون الأول/ديسمبر 2024، واستلام الرئيس الانتقالي أحمد الشرع للسلطة.
لا شك أن هذا القرار حمل معه موجة من الفرح الشعبي داخل سوريا، بعد سنوات من الحصار الاقتصادي، والانهيار المالي، وانعدام الأفق.
السوريون، كأي شعب عانى من ويلات الحرب والعزلة، يفرحون بأي بارقة أمل تعيد إليهم الحد الأدنى من مقومات الحياة، لكن خلف هذه الفرحة العارمة، هناك أسئلة ثقيلة ومصيرية تُطرح بصوت خافت، بل خائف أحيانًا: ماذا جرى في الكواليس؟ ما هو الثمن الحقيقي لرفع العقوبات؟ وهل نحن أمام بداية خلاص فعلي، أم بداية لوصاية أجنبية ؟
ترامب في الرياض: الشروط الثلاثة
في اليوم التالي مباشرة لرفع العقوبات، التقى الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في الرياض، في لقاء هو الأول من نوعه بين رئيس سوري وأميركي منذ أكثر من ربع قرن. ولم يكن اللقاء مجرد مصافحة رمزية، بل حمل معه قائمة مطالب أميركية صريحة، يمكن اختصارها بثلاثة شروط رئيسية:
الانضمام إلى الاتفاقات الإبراهيمية مع “إسرائيل”
أن يُطلب من سوريا الانضمام إلى “الاتفاقات الإبراهيمية” في هذا التوقيت هو طلب يحمل في طياته الكثير من التناقضات، بل الاستفزاز. فكيف لدولة لا تزال أراضيها — الجولان المحتل — ترزح تحت الاحتلال الإسرائيلي، وتتعرض لانتهاكات عسكرية متكررة من قبل الطيران الإسرائيلي، أن تُقحم في مسار تطبيعي.
التطبيع، قد يُفرض على الإدارة السورية الجديدة كـ مساومة على السيادة، وفرضه كشرط مسبق على دولة ما زالت تتعافى من الخراب، فهو أقرب إلى ابتزاز سياسي مغلف بوعود اقتصادية.
يُقال إن الانخراط في “الاتفاقات الإبراهيمية” سيفتح أبواب الاستثمار ويدفع عجلة النمو، ولكن الأمثلة الموجودة كـ الأردن التي وقعت اتفاق وادي عربة مع “إسرائيل” عام 1994 تعاني من أزمات اقتصادية وتعيش على المساعدات الخارجية، ومصر كذلك الحال.
أم بالنسبة للإمارات فلم تصبح دولة اقتصادية لها وزنها الإقليمي بعد التطبيع عام 2020، فالإمارات شهدت منذ بداية الألفية نهضةً اقتصادية لها أسبابها الموضوعية.
ترحيل الفصائل الفلسطينية المصنفة “إرهابية”
إخراج الفصائل الفلسطينية من سوريا لن يكون مجرد إجراء إداري، مع استضافة سوريا لمئات آلاف الفلسطينيين منذ حوالي ثمانية عقود.
المشاركة في “محاربة داعش” بإشراف أميركي
هذا الشرط يثير تساؤلات عميقة حول النوايا الأميركية، فداعش موجود في سوريا منذ 2013، والولايات المتحدة كانت تدير ملف “محاربته” طوال هذه السنوات، دون أن تنجح في القضاء عليه، فهل تتوقع من حكومة تواجه الكثير من التحديات أن تدير ملف بهذه الخطورة.
لا استثمار بلا أمن: تحديات ما بعد رفع العقوبات في سوريا
تُطرح مجموعة من الأسئلة حول الإجراءات العمليّة التي يمكن اتخاذها بعد رفع العقوبات في ظل انعدام الأمن الذي تشهده بعض المناطق، والذي يُعَدّ ركيزة أساسيّة لتوفير بيئة آمنة للاستثمار. فما تزال الفصائل غير المنضبطة ترهب المواطنين في مختلف أنحاء سوريا، وبما أنّ رأس المال جبان، يرى كثيرٌ من رجال الأعمال أنّ البيئة في سوريا ليست صالحة في الوقت الحالي في ظلّ الانتهاكات الجارية.
وتُعَدّ الخطوةُ الأولى بعد رفع العقوبات هي إنهاءُ الحالة الفصائليّة ووقفُ الانتهاكات اليوميّة، مع إشعار المواطنين بالأمن والأمان.
المرحلة المقبلة ستكون حاسمة للإدارة الجديدة لتثبت قدرتها على نقل البلاد إلى نظام ديمقراطي تمثيلي يعيد القرار إلى الشعب. والسؤال الذي سيبقى مطروحًا: هل انتهت الحرب فعلًا؟ أم أنها دخلت طورًا جديدًا… أقل ضجيجًا، لكنه أكثر خطورةً؟
إقرأ أيضا: قطاع الزراعة بين فك الحصار الاقتصادي وفرصة النهوض المشروط
إقرأ أيضاً: القرار السوري بطرد الفصائل الفلسطينية: ضغوط إقليمية أم تحول داخلي؟