موسم الزيتون في شمال سوريا… نصف الإنتاج وأسعار تتجاوز القدرة

تبدو حقول الزيتون في الشمال السوري هذا العام مختلفة عن سابق عهدها. في محيط مدينة عفرين بريف حلب الشمالي، تتدلى على الأغصان القليلة بضع حبات متناثرة لا تكاد تكفي عناء القطاف. يقول أبو محمود، فلاح ستيني وقف يتأمل أشجاره الجافة: “الموسم ضعيف جداً، بالكاد نغطي التكاليف. صرنا نقطف باليد، ما عاد في داعي للسلالم ولا للعمال، الموسم انتهى قبل أن يبدأ”.

حال أبو محمود لا يختلف كثيرًا عن حال مزارعين كثر في إدلب وريف حلب، حيث يعاني القطاع الزراعي من أزمة مزدوجة بين جفافٍ طويل الأمد وارتفاعٍ حادٍ في تكاليف الزراعة والأسمدة والمبيدات، إلى جانب انتشار الآفات. هذه العوامل تضافرت لتُضعف الإنتاج وتدفع بأسعار الزيت إلى مستويات غير مسبوقة في الأسواق المحلية.

موسم ناقص وأسعار مشتعلة

بحسب تقديرات محلية حصلت عليها صحيفة “المدن” من مديريات الزراعة في إدلب وحلب، تراجع إنتاج الزيتون هذا العام بنسبة تتراوح بين 40 و60 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
ويقول عبد الله الأسعد، صاحب معصرة في بلدة معرة مصرين، إن المؤشرات على ضعف الموسم كانت واضحة منذ الربيع الماضي: “الأشجار عطشى والفلاحون أنهكهم الغلاء. لم يعد هناك قدرة على التقليم أو الرشّ، فكانت النتيجة واضحة: الزيتون قليل والزيت أقل”.

في المعاصر، ارتفعت كلفة العصر إلى نحو 90 ألف ليرة سورية للتنكة الواحدة، فيما يتراوح سعر الزيت بين 750 و850 ألف ليرة سورية، أي أكثر من ضعف سعره في عام 2024. ويخشى أصحاب المعاصر من ندرة المادة أكثر من كسادها، في ظل تراجع واضح في الكميات الواردة.

أما في ريف حلب الشمالي، فيصف الفلاح خالد عواد الوضع بالقول: “الأشجار متعبة مثل أصحابها، والمواسم الوفيرة أصبحت ذكرى. كثير من الأهالي استغنوا عن زيت الزيتون البلدي بسبب غلائه، واستبدلوه بالزيت النباتي”.

معاصر تعمل بنصف طاقتها

جولة ميدانية على عدد من المعاصر في ريف حلب أظهرت أن معظمها يعمل بنصف طاقته المعتادة. ففي معصرة “الخير” قرب عفرين، يقول صاحبها محمد ديب: “نحن نعمل يوماً ونغلق يوماً آخر، فالكميات قليلة جداً، وبعض العمال لم يجدوا عملاً هذا الموسم”.

خسائر تتضاعف

تشير بيانات دوائر الزراعة في شمال غرب سوريا إلى أن إنتاج الزيتون خلال موسم 2024 بلغ نحو 215 ألف طن في مجمل مناطق إدلب وريف حلب، بينما لا يُتوقّع أن يتجاوز هذا العام 110 آلاف طن، بانخفاض يقارب النصف. أما إنتاج الزيت فقد تراجع من 41 ألف طن العام الماضي إلى أقل من 23 ألف طن هذا الموسم.

وبناءً على تلك المعطيات، انخفض متوسط إنتاج الهكتار من نحو 600 كيلوغرام إلى ما دون 300، فيما ارتفع سعر “تنكة الزيت” بنسبة تجاوزت 120 في المئة. ويقدّر باحثون اقتصاديون أن الأسر السورية في تلك المناطق تستهلك وسطياً ما بين 40 و50 ليتراً من الزيت سنوياً، ما يعني أن الإنتاج الحالي لن يغطي سوى نصف الحاجة المحلية تقريباً.

سلعة أساسية تتحول إلى كمالية

مع ارتفاع أسعار الوقود وصعوبات النقل، يُتوقع أن تتجاوز الأسعار حاجز المليون ليرة سورية للتنكة الواحدة قبل نهاية الشتاء، ما يجعل زيت الزيتون – الذي كان يوماً رمزاً للمائدة الريفية – يتحول تدريجياً إلى سلعة كمالية لا يقدر عليها كثير من الأهالي.

وهكذا، لا تبدو خسارة الشمال السوري هذا العام في الكمّ فقط، بل في جوهر الموسم ذاته. فموسم الزيتون الذي كان مناسبة تحتفي بالعطاء والعمل الجماعي، بات اليوم موسماً يثقل كاهل الفلاحين بالحسابات والخسارات. ومع ذلك، لا يزال الأمل قائماً بمطرٍ متأخر يعيد إلى الحقول ما تبقى من روحها وحياتها.

اقرأ أيضاً:سورية والسعودية تتفقان على إنشاء محطتي كهرباء بالطاقة المتجددة

حساباتنا: فيسبوك  تلغرام يوتيوب تويتر انستغرام

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.