غياب النقل العام يشلّ حركة الموظفين في ريف حلب
تعيش مناطق ريف حلب الشمالي أزمة نقل خانقة أرهقت آلاف الموظفين والعاملين في القطاعين العام والخاص، في ظل غياب شبه تام لوسائل النقل العام وارتفاع كلفة المواصلات الخاصة، ما جعل التنقل إلى أماكن العمل مهمة يومية شاقة تتجاوز حدود الاحتمال.
فمع غلاء الوقود وتدهور الطرقات، تقلّصت أعداد سيارات الأجرة والحافلات الصغيرة العاملة على خطوط الريف، الأمر الذي أجبر الموظفين على الانتظار لساعات أو السير لمسافات طويلة للوصول إلى أماكن عملهم، فيما تلتهم كلفة النقل الجزء الأكبر من رواتبهم المحدودة.
يقول محمد درويش، الموظف في دائرة الخدمات ببلدة مارع، إن رحلة الوصول إلى العمل تحولت إلى “عبء يومي يتطلب تخطيطاً وجهداً مضاعفاً”، مضيفاً في حديثه لـ”العربي الجديد”: “أغادر منزلي قبل السابعة صباحاً لأصل عند الثامنة، ومع ذلك أتأخر كثيراً بسبب قلة السيارات العاملة. أحياناً أنتظر لأكثر من ساعة دون جدوى، وفي حال لم أجد وسيلة، أقطع المسافة سيراً على الأقدام لخمسة كيلومترات”.
ويشير درويش إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار الوقود جعل أجور النقل تتجاوز قدرته المادية، ما اضطره إلى تقاسم دراجة نارية مع زملائه للمناوبة في استخدامها، رغم مخاطر التنقل عبر الطرق الوعرة. ويضيف: “الكثير من الموظفين بدأوا بالتغيب المتكرر أو طلب النقل إلى أماكن أقرب، لكن معظمنا متمسك بوظيفته رغم المعاناة”.
المعلمة أمينة الخلف، التي تعمل في إحدى مدارس ريف إعزاز، تصف وضع المعلمات بأنه “مغامرة يومية محفوفة بالمشقة”، خاصة خلال فصل الشتاء عندما تتحول الطرق الترابية إلى مستنقعات. وتقول: “اضطررت أكثر من مرة إلى ركوب شاحنة صغيرة أو سيارة نقل بضائع مع عمال ومزارعين لأصل إلى المدرسة في الوقت المحدد. الغياب أو التأخير أصبح أمراً لا مفر منه، لكنه ليس نتيجة إهمال بل واقع قاسٍ لا يرحم”.
وتضيف الخلف أن “الالتزام بالدوام بات مهمة شبه مستحيلة، فالمعلمات يواجهن مشاقاً مضاعفة في التنقل بين القرى النائية والمدارس، في ظل غياب شبكة نقل منتظمة وارتفاع كلفة الأجرة الخاصة”، مؤكدة أن استمرار هذه الظروف يهدد استقرار العملية التعليمية برمتها.
أما الممرضة سلمى عبد الله، التي تعمل في أحد المستشفيات الخاصة بريف حلب، فتقول إن معاناتها تبدأ قبل ساعات من وصولها إلى عملها: “أنتظر على الطريق أكثر من ساعتين أحياناً، وإذا وجدت سيارة أدفع نصف راتبي اليومي أجرة للنقل. هذه المعاناة تطاول زميلاتي أيضاً، وتؤثر على قدرتنا في أداء عملنا الصحي كما يجب”.
ويرى المهندس ناصر قدري، مدير أحد المراكز الخدمية في ريف حلب، أن أزمة النقل “تحولت من مشكلة فردية إلى معضلة مؤسسية تمسّ كفاءة عمل المؤسسات العامة”، موضحاً أن نسبة غياب الموظفين تصل أحياناً إلى 40% بسبب صعوبة الوصول إلى أماكن العمل، ما ينعكس على سير الخدمات في قطاعات حيوية كالصحة والتعليم والبلديات.
ويشير قدري إلى أن بعض الحلول المؤقتة، مثل تنظيم نقل جماعي بسيارات خاصة، فشلت بسبب شح الموارد وارتفاع كلفة التشغيل، مؤكداً أن معالجة ملف النقل في الريف باتت ضرورة عاجلة تتطلب دعماً مؤسسياً حقيقياً.
وتعاني مناطق ريف حلب منذ سنوات من تراجع حاد في خدمات النقل نتيجة تدمير البنية التحتية ونقص الوقود، ما جعل الحركة بين القرى والمدن عبئاً يومياً على السكان والعاملين. وبين وعود الجهات المحلية بتحسين الخدمات وواقع الطرق الترابية المهجورة، يبقى الموظفون في الريف الشمالي يدفعون الثمن من وقتهم وصحتهم ودخلهم، فيما تتحول وسيلة النقل إلى حلم بسيط في حياة تزداد صعوبة يوماً بعد آخر.
اقرأ أيضاً:صناعيو حلب يطالبون بـدرع حماية مزدوج رفع الرسوم على المستوردات وتخفيضها على المواد الأولية