تحديات تُعيق تفعيل الأجهزة الرقابية في سوريا.. بين الفساد والمحسوبيات
يشكّل تفعيل الأجهزة الرقابية في سوريا الجديدة، إلى جانب إطلاق الموقع الإلكتروني الرسمي للهيئة العامة للرقابة والتفتيش، مؤشراً على سعي الحكومة نحو ترسيخ مبادئ الشفافية والمساءلة، في مواجهة الفساد والمحسوبيات المتجذرة في مؤسسات الدولة.
وتعدّ هذه الخطوة محاولة لفتح قناة تواصل مباشرة بين المواطن والجهات الرقابية، لكنّها تصطدم بتحديات معقدة تتعلق بحداثة هذه المؤسسات من جهة، وبقدرة شبكات الفساد على التكيّف والمناورة من جهة أخرى.
هيكل الأجهزة الرقابية
تتوزع المهام الرقابية بين مؤسستين رئيسيتين:
-
الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، وهي مؤسسة حكومية مستقلة تعمل على مراقبة الأداء الإداري وضمان الالتزام بالقوانين وتحسين جودة الخدمات العامة.
-
الجهاز المركزي للرقابة المالية، الذي يتبع لرئيس الجمهورية، ويختص بتدقيق الحسابات ومراقبة الصكوك المالية والتحقيق في المخالفات، استناداً إلى القانون رقم 64 لعام 2003 وتعديلاته.
ويتألف الجهازان من إدارات فنية وقانونية متخصصة، إضافة إلى فروع منتشرة في جميع المحافظات السورية، ما يمنحهما صلاحية واسعة في التحقيق والمتابعة.
قضايا فساد بمليارات الليرات
بحسب الموقع الرسمي للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، كشفت الهيئة في تقاريرها الأخيرة عن مخالفات كبيرة في عدد من القطاعات، كان أبرزها في قطاع الجيولوجيا والثروة المعدنية، حيث تجاوز الضرر المالي الناتج عن عقد مخالف 148 ملياراً ونصف ليرة سورية (نحو 13 مليون دولار).
وفي قطاع الطاقة بلغت الأضرار نحو 25 مليار ليرة (2.3 مليون دولار)، بينما سجّلت مخالفات في قطاع التموين تجاوزت قيمتها الإجمالية 5.7 مليارات ليرة (نحو 525 ألف دولار)، نتيجة نقص في المواد الأساسية في المخابز الحكومية.
نائب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، وسيم المنصور، أوضح أن الجهاز يعمل حالياً على تنفيذ خطة تدقيق شاملة لعام 2025 تشمل جميع الجهات العامة، إلى جانب تحديث القانون الناظم لعمل الجهاز بما يتوافق مع معايير الحوكمة الرشيدة والمعايير الدولية.
عوائق أمام الإصلاح
الخبير الاقتصادي والوزير السابق عبد الحكيم المصري، يرى أن الجهازين الرقابيين يواجهان تحديات معقدة، أبرزها المحسوبيات وضعف الكفاءات التقنية، إضافة إلى نقص الكوادر المؤهلة لمتابعة ملفات الفساد القديمة والجديدة.
ويؤكد أن “المتورطين في قضايا الفساد اتخذوا تدابير مسبقة لتغطية آثارهم، ما يجعل مهمة الأجهزة الرقابية صعبة، خاصة في ظل حداثة التجربة”.
ويضيف أن بعض الأنظمة القانونية بحاجة إلى تعديلات جوهرية لتفعيل الرقابة والمساءلة، وأن دمج الجهازين الرقابيين تحت مظلة واحدة تابعة للبرلمان لا للسلطة التنفيذية قد يعزز من استقلاليتهما ويحدّ من تضارب الصلاحيات.
نحو رقابة فعّالة
يؤكد المصري على أهمية إنشاء دوائر التزام داخل المؤسسات الحكومية تشبه تلك الموجودة في المصارف، لمتابعة مدى مطابقة القرارات الإدارية للأنظمة والقوانين، بما يقلل من كلفة الرقابة الخارجية ويمنع تراكم الأخطاء.
كما يشدّد على أن حملات مكافحة الفساد يجب أن تكون شاملة وغير انتقائية، وأن تشمل جميع المسؤولين بغضّ النظر عن انتماءاتهم أو فتراتهم السابقة.
ويختم بالقول إن “القوانين ليست المشكلة، بل في عدم تطبيقها نتيجة المحسوبيات”، داعياً إلى تحديث الأنظمة ومواكبتها بالتطور التقني والتدريب المستمر للكوادر، بما يضمن بناء منظومة رقابية قادرة على حماية المال العام وتعزيز الثقة في مؤسسات الدولة.
اقرأ أيضاً:بعد فضائح المساعدات.. دمشق أمام اختبار مكافحة الفساد الإغاثي