زيارة الشرع إلى نيويورك… ضجيج دبلوماسي في الخارج وتعقيدات بلا حلول في الداخل: سورية إلى أين؟
داما بوست -إليانا الدروبي
انتهت زيارة رئيس المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى نيويورك، محمّلة بانطباعات واضحة لدى المتابعين: مشروع غربي المنشأ، رعاه الغرب وحقق من خلاله أهدافًا مرحلية، بينما تبقى إدارة هذا المشروع مرتبطة بالظروف الإقليمية والدولية حتى نهاية مرحلة معقدة ومفتوحة على جميع الاحتمالات.
لكن، في ظل هذا الزخم السياسي والإعلامي، تبقى التساؤلات الكبرى قائمة حول الاحتياجات العاجلة والملحّة داخل سوريا، والتي لم ينعكس عليها أي أثر حقيقي من الزيارة. ففور عودته، توجّه الشرع إلى حملة تبرعات في إدلب، سبقها نشاط مماثل في محافظات أخرى، في مؤشر واضح على غياب أي متغير اقتصادي جذري.
الحكومة المؤقتة، من جهتها، لم تخفِ الواقع، وأعلنت بصراحة أن معظم الاتفاقات والمشاريع التي وُقّعت خلال الزيارة افتقرت إلى الجدية من الأطراف المعنية. أما الدعم الخليجي، فيبقى في إطار هبات متقطعة لتغطية رواتب بعض الموظفين الحكوميين، دون أي مشاريع تنموية مستدامة.
من نيويورك إلى الجولان… ومنصّات التصفيق لا تُغيّر وقائع الأرض:
العودة من نيويورك جاءت كعودة من مشهد احتفالي مصنّع بدقة إلى واقع مليء بالتعقيدات الأمنية والسياسية. تسريبات إعلامية ربطت الزيارة باحتمال توقيع اتفاق مع الكيان الإسرائيلي حول أراضٍ سورية منزوعة السلاح، خصوصًا في الجولان. لكن سرعان ما خرجت مصادر عبر وكالة “رويترز” لتنفي أي توقيع رسمي، وسط صمت سوري رسمي وغموض إسرائيلي، رغم وضوح الإجراءات على الأرض: الجولان وجبل الشيخ تحت سيطرة كاملة، والمحافظات الجنوبية (درعا والقنيطرة) تشهد توغلات يومية لقوات الاحتلال الإسرائيلي، من نصب حواجز واعتقالات إلى تنفيذ عمليات عسكرية.
السويداء… ورقة الخلاف بين الحكومة المؤقتة والكيان الإسرائيلي؟
السويداء لا تزال نقطة اشتباك تفاوضي؛ الكيان يطالب بوضعها تحت رعايته الأمنية، بينما تفرض الحكومة المؤقتة حصارًا عليها وترفض فتح ممر إنساني. فهل يؤجل هذا الخلاف توقيع اتفاق نهائي؟ وهل تتحمّل الحكومة المؤقتة تبعات فشل الاتفاق، في ظل تحوّل الوجود الإسرائيلي إلى واقع ميداني يصل حتى مشارف دمشق، مع تفوّق جوي واستخباراتي يتيح له التدخل حيث يشاء؟
ملف “قسد”: اتفاق مع وقف التنفيذ ومواقف معلقة:
الملف الكردي لا يقل تعقيدًا. فرغم توقيع اتفاق 10 آذار في دمشق بين الشرع وقائد “قسد” مظلوم عبدي، والذي ينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في الشمال الشرقي ضمن الدولة السورية، إلا أن الاتفاق لا يزال حبيس الأدراج. بالمقابل، تواصل الولايات المتحدة دعم “قسد”، مخصصة لها ميزانية 130 مليون دولار لعام 2026، ما يعكس استمرار رعايتها لـ “قسد”.
تركيا، من جهتها، تهدد بعملية عسكرية جديدة إذا لم تلتزم “قسد” باتفاقها مع الحكومة المؤقتة قبل نهاية العام. وبذلك، تظل الاحتمالات مفتوحة بين العمل العسكري، أو الاندماج، أو التوجّه نحو اللامركزية أو الفيدرالية، وكلها سيناريوهات تحمل تبعات ثقيلة على شكل الدولة السورية ومستقبل وحدتها.
فيدراليات محتملة أم انهيار وطني؟
المشهد يتجه نحو تكرّس واقع الفيدراليات: “قسد” تدفع باتجاه اللامركزية، السويداء ترفض الخضوع لحكم الحكومة المؤقتة، وأصوات في الساحل تطالب بإقليم علوي. وفي المقابل، يعلن الشرع رفضه القاطع لكل هذه المشاريع، مؤكّدًا تمسكه بوحدة سوريا. لكن، على الأرض، الواقع يتشكّل بغير ما يُعلن.
جرائم بلا محاسبة وتهميش ممنهج لمكونات أساسية:
ملف الانتهاكات بحق المكونات الدرزية والعلوية يمثل عائقًا إضافيًا أمام أي مشروع وطني جامع. فحتى الآن، لم تُحاسب الحكومة المؤقتة عناصرها المتورطة في مجازر واعتقالات وتعسف إداري وفصل تعسفي من الوظائف دون تعويض. هذا الملف لم تغفله المنظمات الدولية ولا الإعلام الغربي، الذي يواصل نشر تحقيقات موثقة حول تلك الانتهاكات. فكيف ستواجه الحكومة المؤقتة تبعات هذا السجل؟ وهل يمكنها فعلاً بناء دولة عادلة دون مصالحة حقيقية ومحاسبة شفافة؟
الفصائل المسلحة: حلفاء الأمس، خصوم الغد؟
على الأرض، يظهر تصاعد التوترات داخل الفصائل المسلحة التابعة للحكومة المؤقتة. تنوّع الولاءات (لتركيا، للتمويل الخليجي، لمشاريع دينية أو قومية) جعل منها خليطًا غير متجانس، يتحوّل بعضه إلى عصابات خطف وسرقة في ظل تراجع التمويل. في المقابل، تتزايد التصفيات والاشتباكات الداخلية، فيما تقف الحكومة المؤقتة أمام تحدٍ حقيقي: هل تستطيع السيطرة على هذا المشهد قبل أن ينفجر؟
المشهد الاجتماعي: صراع صامت يُهدد مستقبل الدولة:
ربما الأخطر من كل الملفات العسكرية والسياسية، هو التحوّل الاجتماعي الصامت. الشحن الطائفي بلغ مستويات غير مسبوقة. مجتمع مرهق اقتصاديًا وممزق نفسيًا، يخفي مشاعره خوفًا من الاعتقال أو الانتقام، حتى من جيرانه. في ظل هذا الواقع، يتشكل نمط اجتماعي جديد قائم على الطائفة والانتماء لا على الهوية الوطنية، مع فئات مسحوقة بالكامل: عاطلون عن العمل، مفصولون من وظائفهم دون تعويض، وأسر تعيش بلا أمل ولا أمان.
سورية إلى أين؟
في هذا المشهد المعقد، لا يملك أحد إجابة واضحة عن مستقبل سوريا. وحدهم السوريون الحقيقيون، الباقون في الداخل أو الموزّعون في الشتات، يسألون هذا السؤال المؤلم: سورية إلى أين؟
أميركا، “إسرائيل“، ودول عربية كبرى ربما رسمت أجوبتها. أما السوري، غير المنتمي لأي جهة، فمعلق بين حكومات مؤقتة، فصائل متعددة، وصمت دولي مريب.
وإلى أن تتضح الصورة، تبقى الحقيقة الوحيدة: الدولة غائبة، والمستقبل معلّق، والمصير مفتوح على المجهول.
إقرأ أيضاً: نيويورك: أحمد الشرع تحت نيران الانتقادات بسبب اتفاق أمني مع إسرائيل
إقرأ أيضاً: إعادة إعمار سوريا بعد الحرب: تحديات اقتصادية وسياسية في ظل قيادة الشرع