جرت يوم أمس انتخابات مجلس الشعب السوري، وسط غياب كامل لمشاركة شعبية حقيقية، مما دفع العديد من الأصوات السياسية والمدنية إلى وصفها بـ”المهزلة السياسية” و”التمثيلية الأمنية” التي تفتقد لأبسط مقومات الشرعية الديمقراطية.
في الوقت الذي كان يُفترض فيه أن تُعبّر صناديق الاقتراع عن إرادة السوريين، جاءت العملية الانتخابية محصورة ضمن “هيئة ناخبة مُعينة مسبقًا من قبل الحكومة”، ما أسقط عنها أي مظهر من مظاهر التمثيل الشعبي الحر.
مجلس يُصمّم ويُدار بالكامل من رأس السلطة:
المجلس يتألف من 210 مقاعد، لكن ثلث هذه المقاعد (70 نائبًا) يُعيّنهم رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع مباشرة، بينما تُترك المقاعد الـ140 الباقية لانتخابات شكلية يتحكم بها النظام نفسه عبر هياكله.
فاللجنة العليا للانتخابات، التي تشرف على العملية برمتها، تم تعيينها من قبل رئيس السلطة الانتقالية نفسه، واللجان الفرعية بدورها عُيّنت من قِبل هذه اللجنة. بمعنى آخر، رأس السلطة يتحكم باللجان، بالقوائم، وبنتائج الانتخابات.
٧٠٠٠ ناخب… يقررون مصير ٢٣ مليون سوري:
الأدهى أن من يختار الـ140 نائبًا هم فقط ٧٠٠٠ ناخب، معظمهم من داخل دوائر النظام أو خاضعين لسيطرته، ما يعني أن هؤلاء سيقررون، نظريًا، مصير أكثر من 23 مليون سوري. وهذا لا يمكن وصفه إلا بأنه اغتصاب سياسي لإرادة الشعب.
تناقض فجّ: هل أصبحت سوريا مهيأة للانتخابات فجأة؟
في وقت سابق، اعترف رئيس السلطة الانتقالية أحمد الشرع بنفسه، بأن البلاد “غير مهيأة للانتخابات بسبب تشرد السوريين والانقسام القائم”. فكيف يمكن اليوم، وبلا أي تغيير حقيقي، أن تصبح الظروف مثالية لإجراء اقتراع ديمقراطي مزعوم؟
صوت الشعب غائب… وأجندة السلطة حاضرة:
هذه الانتخابات، التي وصفتها قوى المعارضة والجهات السياسية المستقلة بـ”غير الشرعية وغير الدستورية”، لم تستند إلى قانون انتخابي ديمقراطي، ولا إلى توافق وطني. بل جرت في ظل احتكار السلطة واستبعاد المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، ما يجعلها أقرب إلى استفتاء داخلي في مؤسسة واحدة، وليس عملية وطنية شاملة.
مستشار الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا، بدران جيا كرد، أكد أن الآليات الانتخابية المعتمدة “لا تنسجم مع المعايير الدولية، وتخالف القرار الأممي 2254″، مضيفًا أن ما جرى “يعزز الانقسام ولا يخدم الحل السياسي”.
تمثيل المرأة: أقل من 3%… ومجلس بلا صلاحيات:
رغم كل الخطاب الرسمي حول “التمثيل والمشاركة”، كشفت اللجنة العليا للانتخابات أن نسبة تمثيل المرأة لم تتجاوز 3% فقط، ما يعكس الطبيعة الإقصائية للمجلس الجديد.
وحتى على المستوى الدستوري، فإن هذا المجلس لا يملك أي سلطة فعلية في صياغة دستور، أو إصدار قوانين مستقلة، أو محاسبة الحكومة، أو حتى محاسبة رئيس السلطة نفسه. إنه مجلس شكلي، منزوع الإرادة.
إعادة إنتاج الاستبداد… وتكريس الانقسام:
ما جرى ليس انتخابات. إنه مسرح سياسي بإخراج سلطوي، يُعيد إنتاج المنظومة نفسها التي ثار عليها السوريون. فلا ديمقراطية، ولا تمثيل، ولا شرعية حقيقية. فقط سلطة تُنصّب نفسها فوق الشعب، وتقرر من يمثّله.
إقرأ أيضاً: الكتلة الوطنية السورية: انتخابات مجلس الشعب خطوة نحو تقسيم سوريا
إقرأ أيضاً: الإدارة الذاتية: انتخابات مجلس الشعب السوري تعزز الانقسام ولا تمثل إرادة السوريين