الذهب يتحول من رمز للزينة إلى عبء ثقيل على الزواج في سورية

لم يعد ارتفاع أسعار الذهب في سورية مجرد خبر اقتصادي عابر، بل أصبح جزءاً من تفاصيل الحياة اليومية للأسر، حيث يتابع السوريون نشرات الأسعار المتقلبة كما يتابعون حالة الطقس. فالغرام الواحد من الذهب يسجل كل يوم رقماً جديداً، الأمر الذي حوّل المعدن الأصفر من رمز للزينة والادخار إلى عبء ثقيل على المقبلين على الزواج.

وخلال أقل من شهرين، ارتفع غرام الذهب عيار 21 من 90 دولاراً إلى 108 دولارات، فيما قفز غرام الذهب عيار 18 من 75 إلى 93 دولاراً. وفي السوق المحلية، سجل الغرام عيار 21 قيراطاً مليوناً و195 ألف ليرة سورية، بزيادة قدرها 35 ألف ليرة عن سعره قبل يومين فقط. ووفق تقديرات خبراء، فإن تكلفة شبكة متواضعة لم تعد تقل عن 4 آلاف دولار، وهو مبلغ يتجاوز متوسط الدخل السنوي لمعظم الموظفين السوريين.

الشبكة بين العرف والواقع

هذا الارتفاع “الجنوني” جعل الشبكة الذهبية عبئاً موازياً لتكاليف السكن والمهر وحفلات الزواج. وتوضح راميا الياسر، والدة عروس من دمشق، أن الفارق بين جيل الأمس واليوم شاسع: “في جيلنا كان الذهب متاحاً، أما اليوم فأصبح الشبكة عبئاً على الشباب. كثير من الأهالي باتوا مضطرين لتخفيف الطلبات، وإلا فستبقى البنات في بيوتهن.”

لكن بعض العائلات ما تزال متمسكة بالعادات التقليدية، وهو ما يعقّد ارتباط بناتها، بحسب الياسر: “هناك من يصر على شبكة كاملة رغم الظروف، والنتيجة عزوف الشباب عن الزواج أو اضطرارهم للاستدانة، وهذا أمر مرهق للجميع.”

من جهته، يروي محمد الخلف، شاب من ريف حماة مقبل على الزواج، أنه كان يتمنى شراء طقم ذهبي لعروسه لكنه اصطدم بواقع الأسعار “الخيالية”، فلم يتمكن سوى من شراء خاتم بسيط: “الزواج أصبح مسؤولية ثقيلة قبل أن يبدأ، وكثير من أصدقائي أجّلوا مشروع الزواج أو استدانوا من الأقارب لتأمين الشبكة.”

الاقتصاد يضاعف الأزمة

الخبير الاقتصادي سامي الخطيب يوضح أن أسعار الذهب العالمية تعيش حالة من التقلب الدائم، وأي تغيّر في السياسات النقدية أو الأسواق الدولية ينعكس مباشرة على السعر. وفي الحالة السورية، يضاعف انهيار الليرة وارتفاع كلفة الاستيراد وقيود العقوبات من تأثير هذه العوامل، ما جعل الذهب المحلي أعلى من المتوسط العالمي.

ويضيف الخطيب أن ارتفاع أسعار الطاقة وكلفة النقل، إلى جانب زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن للادخار في ظل تآكل قيمة العملة، كلها أسباب ساهمت في رفع الأسعار. لكنه يشدد على أن المشكلة لم تعد اقتصادية فحسب: “الخطر الحقيقي هو استمرار التمسك بعادات اجتماعية تثقل كاهل الشباب، فالمسألة لم تعد مرتبطة برغبة العريس فقط بل بمدى تفهّم الأهل للظروف.”

بين التقاليد والواقع

يرى مراقبون أن أزمة الذهب في سورية تجاوزت السوق لتصبح أزمة اجتماعية تمس مؤسسة الزواج ذاتها. ففي حين لا يزال العرف يفرض الشبكة كشرط أساسي، تدفع الظروف الاقتصادية كثيراً من الأسر إلى إعادة النظر في هذه التقاليد. لكن من دون تغيّر جذري في العادات، سيبقى الزواج عند شريحة واسعة من الشباب السوري حلماً بعيد المنال، فيما يستمر الذهب في لعب دور مزدوج: رمزاً للقيمة والأمان، وعبئاً يثقل كاهل العائلات.

المزيد ايضا..
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.